أن المراد من القلب السليم في هذه الآية كما دلت الرواية واضح وجلي إلى من تدبر في كلامهم سلام الله عليهم أجمعين، ويجب علينا أن ندرك المعنى الحقيقي في مراد القلب في الكثير من الروايات.
وقبل أن نشرع في بيان معنى الآية المباركة كما دلت عليها الروايات من كلام أهل العصمة سلام الله عليهم أردنا أن نورد الآيات التي دلت على مرض بعض القلوب ومنها قلب المنافق، وسلامة قلب المؤمن بالله من الشرك والنفاق كما ورد في الآية المذكورة في بداية البحث، ومن ثم بيان معنى القلب، ومكانة القلب في القرآن الكريم، وأقسام القلب كما ورد عن مولنا الأمام الباقر عليه السلام، ومميزات القلب السليم.
فنقول:
قال الله الحكيم في محكم كلامه الحميد وخطابه المجيد: ﴿خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ﴾.
﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون﴾.
معنى القلب:
الإنسان له قلب، فما هو القلب؟ كثير منا يظن أن الروح، روح الإنسان ونفس الإنسان موجودة في بدنه وأنه إذا مات تخرج هذه الروح من البدن. لا، الروح حسبما يذكر الفلاسفة المسلمون ليست داخل البدن، ومن المستحيل أن تدخل في البدن أو أن تكون داخل البدن. فما معنى ذلك؟ الروح كما يذكر الفلاسفة تكون خارج البدن متصلة به باتصال التدبير والتصرف.
وليس مرادنا هنا في محلّ الكلام عن القلب هو تلك القطعة الصنوبرية، بل ذلك الجوهر الذي تتقوّم به إنسانيّة الإنسان، والذي أودعه الله فينا مفطورًا على التوحيد والعبودية والطاعة، وطاهرًا أبيضًا سلسًا رقيقًا وشفّافًا ليس فيه أيّ نقصٍ وفساد.
فالإنسان في الحقيقة هو الذي يمرض ويحتاج حينها إلى علاج ودواء، وحقيقة هذا أنّه يُصاب في قلبه بحيث ينقلب عن تلك الفطرة السليمة التي أودعها الخالق عزَّ وجلّ فيه.
إنّ للإنسان بُعدًا ماديًّا وهو الجسم، وبُعدًا معنويًّا وهو الروح والنفس والقلب، وبين هذين البُعدَين ارتباطٌ وثيق، وتفاعلٌ قويّ لا ينفكّ أحدهما عن الثاني إلاّ بتصرّم العمر، ونهاية الحياة الدنيا.
وإذا ما أراد الإنسان السعي لتحقيق السعادة والهناء فإنّ عليه أن يسعى إلى سعادة الروح كما يسعى إلى سعادة الجسم.
القلب السليم:
يقول مولى الموحدين (عليه السلام) ناظرا للقلب السليم في سماته وخصائصه: فطوبى لذي قلب سليم أطاع من يهديه، وتجنب من يرديه، وأصاب سبيل السلامة ببصر من بصره وطاعة هاد أمره وبادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه وتقطع أسبابه واستفتح التوبة وأماط الحوبة فقد أقيم على الطريق وهدى نهج السبيل.
ويراد بالقلب السليم الذي أخلص العبودية لله تعالى، وهو خال من الكفر والنفاق والرذيلة، ومن سماته إذا أحب يحب في الله، وإذا كره يكره لله، وإذا أعطى يعطي لله، واذا منع يمنع لله، وهذا النوع من القلوب لا ينجو يوم القيامة إلا من جاء الله عزوجل به، وهذا هو قوله تعالى: (إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
وعنه (عليه السلام): "يا أيها الناس اقبلوا النصيحة ممن نصحكم وتلقوها بالطاعة ممن حملها إليكم و اعلموا أن الله سبحانه لم يمدح من القلوب إلا أوعاها للحكمة ومن الناس إلا أسرعهم إلى الحق إجابة".
وقال (عليه السلام) أيضاً: "يا كميل، إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها".
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل (إلا من أتى الله بقلب سليم)، قال: "القلب السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه"، وقال: "وكل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط، وإنما أرادوا الزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة".
بيان: قوله تعالى: (إلا من أتى الله).
قال سبحانه في سورة الشعراء حكاية عن إبراهيم عليه السلام حيث قال: (ولا تخزني يوم يبعثون)، قال الطبرسي قدس سره: أي لا تفضحني ولا تعيرني بذنب يوم يحشر الخلائق وهذا الدعاء كان منه عليه السلام على وجه الانقطاع إلى الله تعالى لما بينا أن القبيح لا يجوز وقوعه من الأنبياء عليهم السلام، ثم فسر ذلك اليوم بأن قال: (يوم لا ينفع مال ولا بنون) أي لا ينفع المال والبنون أحدا إذ لا يتهيأ لذي مال أن يفتدي من شدائد ذلك اليوم به، ولا يتحمل من صاحب البنين بنوه شيئا من معاصيه (إلا من أتى الله بقلب سليم) من الشرك والشك. عن الحسن ومجاهد. وقيل: سليم من الفساد والمعاصي وإنما خص القلب بالسلامة لأنه إذا سلم القلب سلم سائر الجوارح من الفساد من حيث إن الفساد بالجارحة لا يكون إلا عن قصد بالقلب الفاسد وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: هو القلب الذي سلم من حب الدنيا، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وآله: حب الدنيا رأس كل خطيئة. انتهى.
قوله عليه السلام: "وليس فيه أحد سواه" أي أخرج عن قلبه حب ما سوى الله، والاشتغال بغيره سبحانه، أو لم يختر في قلبه على رضا الله رضا غيره، أو كانت أعماله ونياته كلها خالصة لله، لم يشرك فيها غيره.
"وكل قلب فيه شرك" أعم من الشرك الجلي والخفي "أو شك" وهو ما يقابل اليقين الذي يظهر أثره على الجوارح، فان كل معصية أو توسل بغيره سبحانه يستلزم ضعفا في اليقين فالشك يشمله "فهو ساقط" أي عن درجة الاعتبار أو بعيد عن الرب تعالى.
"وإنما أرادوا" أي الأنبياء والأوصياء "الزهد" وفي بعض النسخ: أراد بالزهد أي أراد الله والباء زائدة يعني أن الزهد في الدنيا ليس مقصودا لذاته، وإنما أمر الناس به، لتكون قلوبهم فارغة عن محبة الدنيا، صالحة لحب الله تعالى خالصة له عز وجل، لا شركة فيها لما سوى الله، ولا شك ناشئا من شدة محبتها لغير الله.
القلب الطاهر من الشرك أو القلب الخالص من المعاصي والظلم والنفاق، أو القلب الخالي من حب الدنيا؛ لأن حب الدنيا هو مصدر كل الخطايا، وأخيرا هو القلب الذي لا يوجد فيه شيء سوى الله.
في الحقيقة إن كلمة (سليم) مشتقة من (السلامة)، وعندما تطرح السلامة بصورة مطلقة، فإنها تشمل أيضا السلامة من كل الأمراض الأخلاقية والعقائدية.
فالقرآن الكريم يقول بشأن المنافقين في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا، أي إن قلوبهم مصابة بنوع من أنواع المرض، وإن الله سبحانه وتعالى أضاف أمراضا أخرى إلى ذلك المرض على أثر لجاجتهم وارتكابهم المزيد من الذنوب.
وما هو القلب السليم؟
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما سئل عن ذلك: دين بلا شك وهوى، وعمل بلا سمعة ورياء).
وأجمل من فسر عبارة (القلب السليم) هو الإمام الصادق عليه السلام عندما قال: "القلب السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه" حيث جمع بقوله كل الأوصاف المذكورة مسبقا.
وقد جاء في رواية أخرى للإمام الصادق (عليه السلام): "صاحب النية الصادقة صاحب القلب السليم، لأن سلامة القلب من هواجس المذكورات تخلص النية لله في الأمور كلها".
واعتبر القرآن الكريم القلب السليم رأس مال نجاة الإنسان يوم القيامة، حيث نقرأ في سورة الشعراء، وفي الآيات 88 و 89 على لسان النبي الكبير إبراهيم (عليه السلام) قوله تعالى: يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
نعم، من هنا تبدأ قصة إبراهيم ذي القلب السليم، والروح الطاهرة، والإرادة الصلبة، والعزم الراسخ، مع قومه، إذ كلف بالجهاد ضد عباد الأصنام، وبدأ بأبيه.
للقلب مكانة خاصّة في القرآن الكريم، والمراد به ذلك الشعور والاحساس الذي ترتبط به إنسانيّة الإنسان، فهو عبارة أخرى عن النفس الإنسانيّة، ولذا تنسب إليه الأعمال النفسيّة، من قبيل التعقّل والإيمان والكفر والنفاق والهداية والرحمة والغفلة وغيرها من الحالات التي وردت في القرآن الكريم. قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾.
﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾.
﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾.
سلامة القلب ومرضه:
إن كلّ أعمال الإنسان تنبع من قلبه، ولذا هو مفتاح السعادة، ومن الضروري أن يُعتنى به، لأنه قد يُصاب بالمرض، يقول تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِم مرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً﴾.
والأمراض التي تصيب القلب كثيرة كالكفر والنفاق، والتكبّر، والحقد، والغضب، والخيانة، والعُجْب، والخوف، وسوء الظنِّ، وقول السوء، والتهمّة، والغيبة، والظلم، والكذب، وحبِّ الجاه، والرياء، والقساوة، وغير ذلك من الصفات السيّئة. قال تعالى: ﴿وَأَما الذِينَ فِي قُلُوبِهِم مرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾.
وقد يكون القلب سليماً من هذه الأمراض، يقول تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.
ولا بدّ من التأكيد على أن أمراض القلب ذات أثر خطير، لأنه إذا كانت أمراض البدن يقتصر ضررها على الدنيا، فإن أمراض القلب يعمّ ضررها الدنيا والآخرة معاً، وتوقع الإنسان في الشقاء الأبديّ: ﴿وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُو فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾.
إن الإيمان والعمل الصالح وحسن الأخلاق، كلّ ذلك ينير القلب ويدفع عنه أمراضه، في حين أن الكفر والعمل السيءّ وسوء الأخلاق، كلّ ذلك يؤدّي إلى اسوداد القلب وإصابته بالآفات.
القلب في الأحاديث:
ركزت الأحاديث الواردة عن المعصومين عليهم السلام على مسألة القلب، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "القلوب ثلاثة: قلب منكوس لا يعتبر على شيء من الغير وهو قلب الكافر، وقلب فيه نكتة سوداء فالخير والشر يعتلجان، فما كان منه أقوى غلب عليه، وقلب مفتوح فيه مصباح يزهر فلا يُطفأ نوره إلى يوم القيامة، وهو قلب المؤمن".
أقسام القلب:
وما يستفاد من هذا الحديث هو أن القلب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1/ قلب الكافر: قلب انحرف عن فطرته فلا خير فيه، ولم يعد له من هدف إلا الدنيا، وأعرض عن ربِّه فأصيب بالعمى وغشيته الظُلْمَة.
2/ قلب المؤمن: قلب قِبْلَتهُ الله، أضاء فيه مصباح الإيمان، يرغب في العمل الصالح ومكارم الأخلاق، عيناه مبصرتان بنور إيمانه.
3/ القلب المنكّت: وهو قلب فيه من نور الإيمان، لكن فيه أيضاً من سواد المعصية، وخيره وشره في حال صراع، فما غلب منهما سيطر على هذا القلب.
ما يمتاز به القلب السليم:
1/ الانابة: له القابلية على التوبة. قال تعالى: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ) ومن علامات القلب المنيب أن يكون مقبلا على الطاعة، متواضعا لله سبحانه وتعالى، ومواليا له، وتاركا لهوى نفسه.
وعنه (عليه السلام): "توقوا الذنوب فما من بلية ولا نقص رزق إلا بذنب حتى الخدش و النكبة والمصيبة فإن الله تعالى يقول: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)".
وقال الصادق عليه السلام: "إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت، وإن زاد زادت، حتى تغلب على قلبه فلا يُفلح بعدها أبداً".
2/ الإخبات: الخشوع والسكينة والطمأنينة، قال تعالى: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
3/ الوجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
وقال تعالى: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ).
4/ اللين: طيب المعاشرة مع الناس ولين العريكة: قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "إن للقلوب شهوة وإقبالا وإدبارا فأتوها من قبل شهوتها وإقبالها فإن القلب إذا أكره عمي".
5/ الرحمة والرأفة: قال تعالى: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ).
وقال الإمام علي (عليه السلام): "لَقَدْ عُلِّقَ بِنِيَاطِ هذَا الإنْسَانِ بَضْعَةٌ هِيَ أَعْجَبُ مَا فِيهِ: وَذلِكَ الْقَلْبُ، وَلَهُ مَوَادّ مِنَ الْحِكْمَةِ وَأَضْدَادٌ مِنْ خِلاَفِهَا، فَإِنْ سَنَحَ لَهُ الرَّجَاءُ أَذَلَّهُ الطَّمَعُ، وَإِنْ هَاجَ بِهِ الطَّمَعُ أَهْلَكَهُ الْحِرْصُ، إِنْ مَلَكَهُ الْيَأْسُ قَتَلَهُ الأسَفُ، وإِنْ عَرَضَ لَهُ الْغَضَبُ اشتَدَّ بِهِ الْغَيْظُ، وَإِنْ أَسْعَدَهُ الرِّضَى نَسِيَ التَّحَفُّظَ، إِنْ غَالَهُ الْخَوْفُ شَغَلَهُ الْحَذَرُ، وَإِن اتَّسَعَ لَهُ الأمْنُ اسْتَلَبَتْهُ الْغِرَّةُ، وَإِن أَصَابَتهُ مُصِيبَةٌ فَضَحَهُ الْجَزَعُ، وَإِنْ أَفَادَ مَالاً أَطْغَاهُ الغِنَى، وَإِنْ عَضَّتْهُ الْفَاقَةُ شَغَلَهُ الْبَلاَءُ، وَإِنْ جَهَدَهُ الْجُوعُ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ، وإِنْ أَفْرَطَ بِهِ الشِّبَعُ كَظَّتْهُ الْبِطْنَةُ، فَكُلُّ تَقْصِير بِهِ مُضِرٌّ، وَكُلُّ إِفْرَاط لَهُ مُفْسِدٌ".
بقلم: الشيخ محمد مهدي العصفور