نادر الملاح
4 محرم 1445 هـ، 23 يوليو 2023
الرباب بنت امرئ القيس بن عدي التغلبي، زوجة الإمام الحسين عليه السلام، وأمّ سكينة وعبدالله الرضيع المُكنَّى بعلي الأصغر. أمُّها هند الهنود بنت الربيع بن مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب. كانت الرباب رضوان الله تعالى عليها من خيار النساء أدباً وعلماً وعقلاً. سارت مع ركب الحسين عليه السلام إلى كربلاء، وشهدت مآسيها التي كان من بينها استشهاد رضيعها عبدالله مذبوحاً في أشد حالات العطش، وهو أصغر شهداء كربلاء، واقتيدت إلى الشام مع السبايا، ثم رجعت إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأقامت مأتماً على الحسين لمدّة سنة، وهي السنة التي عاشتها بعد الحسين عليه السلام حتى توفيت سنة 62 للهجرة، أي بعد سنة من واقعة كربلاء (الكامل لابن الأثير، ج2 ص579).
نظمت الرباب في مصاب أبي عبدالله الحسين عليه السلام المراثي، وكانت دائمة البكاء على سيد الشهداء، لم تجلس في ظِلٍّ قط منذ أحداث كربلاء حتى فارقت الحياة لشدة حزنها وجزعها على الحسين عليه السلام. وكان من جملة مراثيها:
إنَّ الذي كان نوراً يُسـتضاءُ بِهِ *** في كربلاء قتيلٌ غَيرُ مَدفونِ
سِبْطَ النبيِّ جَزاكَ اللهُ صـالـحةً *** عَنَّا وَجُنِّبْتَ خُسْرَانَ المَوازينِ
قَدْ كُنْتَ لِي جَبَلاً صَعْباً ألوذُ بِهِ *** فَكُنتَ تَصْحَبُنَا بِالرَّحْمِ والدِّينِ
مَنْ لليتامَى وَمَنْ للسَّائِلينَ وَمَنْ *** يُغْنِي، وَيَأوي إِليهِ كُلُّ مِسْكِينِ
وَاللهِ لا أبْتَغِي صِهْراً بِصِهْرِكُمُ *** حَتَّى أُغَيَّبَ بَين الرَّمْلِ والطينِ
وقد نقل ابن الجوزي في تذكرة الخواص (ص234) أنه لما أُدخل السبايا إلى مجلس ابن زياد في الكوفة، احتضنت الرباب رضوان الله عليها رأس الحسين وقبلته، ثم أنشدت:
واحُسيناً فلا نَسِيتُ حُسينا *** أَقْصَدَتْهُ أَسِنَّةُ الأعــــــداءِ
غَادَرُوهُ بِكربلاء صَريعاً *** لا سَقَى اللهُ جَانِبَي كربلاءِ
وكان الحسين عليه السلام يُكن لهذه المرأة الفاضلة الجليلة القدر كل المحبة والوداد. وكان مما قال فيها عليه السلام (أعيان الشيعة، ج6 ص499):
لَعَمْرُكَ إِنِّي لأُحِبُّ دَاراً *** تَحِلُّ بِــها سُكَينةُ والرَّبَابُ
أُحِبُّهُمَا وَأبذُلُ جُلَّ مَالِي *** وَليسَ لِعَاتِبٍ عِنْدِي عِتَابُ
خطبها الكثير من أشراف قريشٍ بعد واقعة كربلاء لعظيم مكانتها وجليل مقامها، فرفضتهم وأبت الزواج من أحد بعد الحسين عليه السلام، وكان مما ترد به إذا خطبها خاطب: "ما كنتُ لأتخذ حماً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" (الكامل في التاريخ، لابن الأثير، ج4 ص88).
أما ابنها عبدالله، المُكنَّى بعلي الأصغر، فكان طفلاً رضيعاً في يوم كربلاء، ما كاد يبلغ الشهر السادس من عمره، أخذه أبوه الحسين عليه السلام لمَّا رآه يتلوى من العطش، فجعل يقبله وهو يقول: "ويلٌ لهؤلاء القوم إذا كان جدك محمد المصطفى خصمهم"، ثم توجه به نحو معسكر عمر بن سعد لعنه الله، وقال: "يا قوم، قتلتم أخي وأولادي وأنصاري، وما بقي غير هذا الطفل، وهو يتلظى عطشاً، فإن لم ترحموني، فارحموا هذا الطفل". فبينما هو يخاطبهم إذ أتاه سهمٌ من قوس حرملة بن كاهل الأسدي لعنه الله، فذبح الطفل من الوريد إلى الوريد، فجعل الحسين عليه السلام يتلقى الدم حتى امتلأ كفه، ورمى به إلى السماء (معالي السبطين في أحوال الحسن والحسين عليهما السلام، للشيخ محمد مهدي الحائري، ج1 ص423) ثم قال: "هوَّن عليَّ ما نزل بي أنه بعين الله" (بحار الأنوار، ج45 ص46)، قال الإمام الباقر عليه السلام: "فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض" (اللهوف في قتلى الطفوف، ص103).
وقد ورد في زيارة الناحية المقدسة المنسوبة إلى صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف: "السلامُ على عبد الله بن الحسين، الطفل الرضيع المرميّ الصريع، المشحّط دماً، المُصَعّد دمه في السماء، المذبوح بالسهم في حجر أبيه، لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسدي" (بحار الأنوار، ج45 ص66).
لقد أظهرت الرباب رضوان الله تعالى عليها بمواقفها الصلبة في كربلاء وفي الكوفة وفي الشام وفي المدينة، ظُلامة أبي عبدالله الحسين عليه السلام، وخلَّدت من خلال ما نظمته من مراثي جملةً من المآسي التي لاقاها الحسين عليه السلام وأنصاره ونساء وأطفال بيت النبوة، فاضحةً بذلك جور يزيدٍ وطغمته الفاسدة، ما أسهم في تقويض مشروعه الرامي إلى محو دين الله عز وجل، وهو ما كان الحسين عليه السلام قد خرج من أجله وضحى بنفسه الشريفة وبصفوة الأصحاب المؤمنين بالله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
اللهم ثبتنا على ولاية الطاهرين، واهدنا سواء السبيل، وأحسن خواتيم أعمالنا إلى خير ما تحب وترضى، إنك أنت السميع المجيب، وصلي يا رب وسلم وزد وبارك على محمد وآله الطاهرين، وارزقنا في الدنيا ولايتهم، وفي الآخرة شفاعتهم، وتوفنا على هذا العهد برحمتك يا أرحم الراحمين.