الحب كلمة نتحفظ كثيرا عند إرادة التلفظ بها..، والحب موضوع نتحرج عند إرادة الحديث عنه أو تداوله في الإطار الشرعي، ولكنه في الواقع يمثل الدينمو المحرك لكل العلاقات الإجتماعية الراقية والسامية بين أفراد المجتمع، ويعتبر العنصر الفاعل في حفظ هذه العلاقات وتقويتها سواء في الدائرة المجتمعية أو الدائرة الأسرية.
إنّ الحب أريد له - في الفهم الإسلامي- أن يتحرك في كل علاقات الإنسان ليضيف لها لونا وطعما يساعده في الارتقاء بها والسمو نحو التكامل، وعندما نطالع التعاليم الواردة عن أهل البيت(ع) نجد كمًّا كبيرا من الأحاديث التي تنبه على ضرورة تفعيل الجانب العاطفي والنفسي الكامن في النفس البشرية نذكر منها:
1/ وما ورد عن رسول الله (ص): "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى".
2/ ما ورد عن الإمام الصادق (ع): ما التقى مؤمنان قط إلا كان أفضلهما أشدّهما حبا لأخيه.
وعند التأمل في هذه المرويات ونظائرها نجدها ترمي فكرة مهمة وهي: أنّ تفعيل المودة والتراحم والمحبة وكل هذه العناوين من شأنها الحفاظ على حالة التقارب والتلاقي، وتقوي حالة الترابط الاجتماعي لتشكل من المؤمنين جسدا حقيقيا في وحدته المعنوية، لنصل إلى وضع يكون فيه تأثر أحد الأعضاء يعني تأثر بقية أعضاء الجسم، لوجود الترابط والوحدة.
وهكذا أراد الإسلام منا أن نفعل الحب في كل جوانب حياتنا لنعيش الانفتاح على الآخرين والقبول لهم.
ولكن دعونا نقف وقفة مع الحب في معناه الخاص والمتداول بين الناس؟! أعني حب الجنس الآخر؟!
إن حقيقة الحب يمكن تفسيرها بأنّها حالة من الانجذاب يعيشها طرف تجاه طرف آخر، وحالة الانجذاب هذه يمكن أن نعزوها إلى سببين:
الأول: الانجذاب الناتج عن الإعجاب بفكر الطرف الآخر أو روحه أو ثقافته أو نـحو ذلك، إذ أننا نجد أنفسنا منجذبين نحو الشخصيات الثقافية والنضالية والعلمائية ونحو ذلك، انجذابا للفكر والروح والثقافة التي تتمتع بها هذه الشخصيات بحيث يرتبط وجود الحب وبقاؤه بمدى استمرار وبقاء عناصر الإعجاب هذه، وهذا النوع من الانجذاب ليس مرفوضا لا عرفا ولا شرعا، إذ أنّه يقع في دائرة العلاقات الطبيعية والإنسانية، بل أنّ هذا النوع من الانجذاب يمكن توظيفه بشكل جيد بحيث تصبح له تأثيرات إيجابية على المحب، فيكون مدعاة له للارتقاء بمستوى روحه وأخلاقه وثقافته.
الثاني: السبب الآخر لوجود حالة الحب والانجذاب هي الغريزة، فقد تتوافر في الطرف الآخر بعض المقومات الجمالية والشكلية، بحيث تحدِث تفاعلات في نفس الطرف الثاني فتراه ينجذب نـحوه بدافع غريزي وفطري، مثلما نجد النفس تنجذب نـحو الأكل والشرب، فالقوام الرشيق والجمال كذلك يحدث في النفس حالة من الانجذاب سواء كانت شعورية أو لا؟!
وهذا النوع من الانجذاب والذي قد يتطور إلى حالة من الهيمان والذوبان، ينبغي لنا أن نقف عنده لنفهمه فهما جيدا ونوضح الرأي الإسلامي منه، فنقول:
مشكلة هذا النوع من الانجذاب أنه غالبا ما يوظف توظيفا غريزيا في النهاية، مهما زعمنا أنّا نكوّن علاقة بريئة أو ما إلى ذلك، إذ أنّ المغذِّي لهذا الإنجذاب هو العنصر الغريزي ومعنى ذلك أن الارتواء والإشبعاع لهذا الحب والانجذاب لن يكون إلا بالغريزة الفطرية، ألا نجد أن وجود هذا الحب مرتبط بما لدى الطرف الآخر من مقومات جمالية، فعندما يفقد الطرف الآخر مقومات الانجذاب الغريزي يتلاشى تبعا له ذلك الانجذاب والحب.
فلذلك حرص الإسلام على أن تكون العلاقة بين الناس لا على هذا الأساس وفقط ففي علاقة الإنسان بالجنس المماثل كالذكر بالذكر أو الأنثى بالأنثى يرفض تماما أن يكون الدافع في التقارب هو الغريزة فلذلك حرم الإسلام اللواط والسحاق وحرم مقدماته أيضا كالنظرة بريبة وشهوة لأنها تحدث في النفس الانجذاب المذكور مما يدعوها نحو التحرك غريزيا نـحو تلبيته.
أما في علاقة الجنس بالجنس الآخر فإنّ الإسلام أراد أن يسمو بهذه العلاقة، فحبب من المؤمن أن ينظر للمقومات الفكرية والثقافية .. في الطرف الآخر وأن يعتني بها، لأن تغليب هذا النظر من شأنه أن يوجد انجذابا في النفس وحبا تكون له القابلية الأكثر في الاستمرار والبقاء.
ولكن رغم ذلك لم يمنع النظر إلى المقومات الجسدية والجمالية - في إطار العلاقة الزوجية الشرعية- لأنّ التقاء هذا الجانب مع ذاك يعني تكامل الحب وسموه، أمّا خارج الدائرة الزوجية فإنّ هذا النوع من الحب والانجذاب مرفوض لأنه يقود الإنسان إلى الانـحراف عن الجادة التي رسمها له الباري سبحانه وتعالى.
ولكن هل يمكن أن ندّعي وجود حب بين الجنسين من النوع الأول أي الحب الفكري والثقافي؟
لعلنا يمكن أن نقبل وجود هذا النوع من الحب، ولكن ما دام الطرفان لم يكوّنا علاقة قريبة إذ أن مشكلة العلاقة القريبة بين الذكر والانثى غالبا ما تسير نحو العلاقة الجنسية مهما ادعينا براءتها وطهارتها.
ولعلنا يمكن أن ندعم ذلك بالواقع الاجتماعي فهو زاخر بأمثلة كثيرة، ومن ذلك نفهم السر خلف كثرة التشريعات التي وردت في الشريعة السمحاء والتي تبين ضوابط العلاقة بين الجنسين.
وأخيرا..
أخي العزيز.. أختي العزيزة.. إن الإسلام أراد لعلاقاتنا أن تكون سببا في ارتقائنا وسمو مجتمعاتنا، ولا شك أن تحريك العلاقات وبنائها على أساس غريزي لا يساهم في ذلك، فإذا أردنا أن نكوّن علاقة ما فلنجعلها في إطارها الشرعي صونا لأنفسنا ولمجتمعنا، ولا نخادع أنفسنا ببراءة العلاقة تارة، وبأخويّتها تارة أخرى، فالبراءة والأخوية ربما تكون محفوظة بين الطفل والجد، أما بين شاب وشابة فعزّ وجودها، وندر وقوعه، بل هي بداية نحو العلاقة التي اذا لم يجمعها الحلال جمعها الحرام والعياذ بالله.