استجابة لنداء العلماء (أعزهم الله) بتخصيص الحديث عن الرسول (ص) بين أيام وفاته وولادته.
الرفق واللين هو المطلوب وليس العنف والشدة والغضب
خلاصة الموضوع: أن المسلم ينبغي له أن يتصف باللين والسهولة، ويترك العنف والشدة في تعامله مع المؤمنين[1]، فهذه من صفات الله وصفات الرسول (ص).
فقد خالف جماعة من المسلمين أمر رسول الله (ص) يوم أحد، تلك المخالفة التي أدّت إلى أسوأ النتائج، إذ دهمهم العدو، فلم يجدوا في أنفسهم ثباتاً، فانقلبوا منهزمين يلوذون بالجبل، وتركوا النبي (ص) مع نفر يسير من أصحابه حتى أثخنته الجراح وكُسرت رباعيته وشُجّ وجهه وهو صامد يدعوهم، فلم يفيئوا إليه حتى انكشف العدو، فلمّا رجعوا الى الرسول (ص) لم يعنّفهم ولم يُسمعهم كلمة ملامة، ولا ذكّرهم بأمره الذي خالفوه، بل رحّب بهم وكأن شيئاً لم يكن، وكلّمهم برفق ولين.
فنزل عليه(ص): ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾.
فقد أكّد الإسلام العزيز على هذه السجية الفاضلة والخصلة النبيلة ـ وهي خصلة اللين والرحمة في المعاملة ـ داعياً أتباعه ومحبّيه إلى التحلّي بها وتجسيدها في أرض الواقع العملي، لتؤدّي إلى الأهداف المطلوبة.
نعم انها خصلة الرفق التي تتضمن السماحة واللطف والانفتاح والتواضع وتكليم الناس على قدر عقولهم، والتجاوز عن سيئاتهم والترفّع من متابعة هفواتهم، رفقاً يتجلّى فيه اللّين وتمحى من ساحته الغلظة، فلا خشونة عند التعامل، ولا جفوة بعد التخاصم، ولا طغيان عند البغي، فهكذا يريدنا رسول الله (ص) في أبعادنا الإيمانية والأخلاقية، وهكذا كان هو (ص) مجسّداً لأخلاق القرآن، وسنّته العملية.
فلولا هذا الرفق الذي اعتمده رسول الله (ص) مع مَنْ أرسل إليهم لما تمكّن من استقطاب الناس حول رسالته.
وبمقدار ما كان هذا الرفق واللين محمودا ومطلوبا، فان الفضاضة والقسوة والشدة مرفوضة في التعامل مع المؤمنين لما لها من مردود سلبي، يقول الله تعالى: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾، فأن الناس تنفر من الغليظ القاسي وتميل الى اللين السهل السمح فالناس بحاجة إلى كنف رحيم، ورعاية فائقة، وبشاشة سمحة، وإلى ودٍّ يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم، ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾.
وتعميقاً لروح الرفق واللين التي يريدها الله تعالى في الدعوة إلى الحق، جاء التأكيد في تلك الآية المباركة نفسها على ما يجسّد حالة الرفق واللين العملي بين المؤمنين، في جملة مكارم الأخلاق التي اهتمّ الإسلام بتحقيقها على النحو الأكمل وإشاعتها بين الناس، فهي تأمر بالعفو لمن يُسيء، والغفران لمن يُخطئ، ليتجلّى الرفق ويتمظهر اللين في حركة التغيير والإصلاح، ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾.
فمن أجل ذلك وردت روايات اهل البيت (ع) بالتخلق بأخلاقهم حتى يدخل الناس في دين الله، فعن الإمام الصادق (ع): "كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية".
الرفق في الروايات الشريفة:
ولقد مُدِح الرِّفق في الأخبار الواردة عن النبيِّ (ص) وأهل بيته(ع)، فعن الرسول (ص): "الرِّفْقُ يُمْنٌ وَالْخُرْقُ شُؤْمٌ".
وعنه(ص): "إِنَّ الرِّفْقَ لَمْ يُوضَعْ عَلَى شَيءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ".
ـوعن الامام الباقر (ع): "إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ".
وعن الإمام الصادق (ع): "أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ أُعْطُوا حَظَّهُمْ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ وَسَّعَ الله عَلَيْهِمْ فِي الرِّزْقِ، وَالرِّفْقُ فِي تَقْدِيرِ الْمَعِيشَةِ خَيْرٌ مِنَ السَّعَةِ فِي الْمَالِ، وَالرِّفْقُ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ شَيْءٌ وَالتَّبْذِيرُ لَا يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ، إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ".
خاتمة المطاف
- إِنَّ نظرية الإسلام في الأخلاق الاجتماعية بين المؤمنين تقوم على مبدأ الرفق والتسامح والتجاوز.
- إنّ القرآن الكريم يعتبر التخلّق باللين ومجانبة الفظاظة والغلظة من أهمّ عوامل استقطاب الناس والتأثير في هدايتهم إلى درب الحق.
- إِنَّ القرآن الكريم يعتبر المتخلّقين بذلك هم أولي الحظ العظيم في السجايا الفاضلة ومن أهل الكرامة والنعيم الأبدي.
- إِنَّ الأحاديث الشريفة تؤكّد أَنَّ الله رفيق ويحبّ الرفق في الأمر كلّه، وأَنّ الله تعالى يعين على الرفق.
اللهم أعنّا على أن نرفق بأنفسنا وبمن حولنا، ولا تحرمنا رفقك ولطفك وفضلك يا أرحم الراحمين.
...........................................
[1] - سيما في الأسرة الواحدة بين الوالد وأولاده، وبين الزوج وزوجته، وبين الأقارب جميعا، وفي المدارس والعمل وفي المؤسسات وغير ذلك.