بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد
الحاجة إلى علم الرجال
الحديث لمّا كان من غايات طالب العلم أن يصلَ إليه، ويستخرجَ ما فيه من معرفة وعلم ويبلِّغ رسالة الله سبحانه وتعالى، كان من أوّل الأسئلة التي يُجيبُ عليها ويبحث في شأنِها هو: أيّ حديث الحجّة؟ وفي هذا السياق وبسبب العناية بالحديث وشؤونه بَرَزَ علم يسمى علم رجال الحديث، ولِكون العلم تَرِدُه أنظار العُلماء مع تقدّم الزمن تتجدّد مسائلٌ فيه وبشأنه، فكذلك علم رجال الحديث قد طُرحت مسألة الحاجة إليه وقد اختلفت الأقوال في ذلك، فقولٌ بالنفي وقولٌ بالإثبات الأعم من الإثبات المُطلق والنفي المطلق والإثبات والنفي الجزئيين.
وسيكون سير الكلام بالنحو هذا:
أولاً: ذكرُ ملاحظات.
ثانيا: ذكرُ الأصل الذي بثبوته يصير البحث إلى مسألة الحاجة.
ثالثا: ذكر الأقوال في المسألة.
رابعا: بيانها.
خامسا: الملاحظ عليها.
سادسا: الخلاصة والقول.
أمّا أوّلاً: المُلاحظات:
الأولى: المُراد بعِلم الرجال هو: الجرح والتعديل المدوّن لا قواعد الجرح والتعديل، فعِلم الرجال هو رجالُ النجاشي وفهرست الطوسي واختيار معرفة الرجال والضُعفاء للغضائري.
فالخلافُ ليس في أصل حاجة الرجوع إلى حال المُخبر أو ليس أصل اعتبار الأمانة والوثاقة في من أتسلّم منه الحكم أو الخبر، بل الخلاف واقعي خارجي أو قل الخلاف إثباتي لا ثبوتي.
وهذا يجرّنا إلى الملاحظة التالية:
الثانية: أصل الخلاف خارجي فِعلي، وهو الكتب الأربعة: الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار، وإن لم يكن كذلك فهو معتمد الآراء وتوالت بعده الملاحظات.
الثالثة: الخلاف في أساسه وغالب واقعه أخباري أصولي وهذا ما يسلّم به كلّ من السيد الخوئي والشيخ السبحاني ومن تبعهم والشيخ مهدي الكجوري الشيرازي فالملاحظة هذه وسابقتها بناءً على فرض التسليم بما سلّموا به وما ذكروه في بحوثهم فقد وقفت أثناء التتبّع والبحث على قول أخباريٍّ باشتراط الوثاقة وقد سألت عن واقعيّة الاختلاف في المسألة من ينتمي لمدرسة الأخبارية فقال بالاشتباه.
الرابعة: المُراد بالحاجة هو حاجة التوثق من الحديث وحجّيته.
ثانيا: الأصل الذي لولاه لما وصل الكلامُ بنا إلى الحديث في الحاجة أثابته أم لا.
وهو: خبر الواحد أحجّةٌ هو أم ليس بحجّة، وذلك أنّ الخبر إمّا أن يكون خبرًا ينقلُهُ أفرادٌ عن أفراد، أو أفرادٌ ينقلونه عن بعضهم البعض، فالنتيجة إمّا خبر من جماعة أو خبر من فرد وذلك ما يُسمّى بالمتواتر والآحاد.
اُتُّفِقَ على حُجيّة المتواتر واختُلِفَ في الآحاد، فقيل بأن الحجّة منه ما أفاد العلم، وما لا يفيده فليس بحُجّة.
أمّا ما يُفيد العلم فهو:
- خبر العادل.
- خبر المأمون (الثقة).
- الخبر الموثوق سواء كان الرّاوي عادلًا أم لا ومأمونًا أم لا.
- خبر المأمون المُفيد للاطمئنان.
فإذا لاحظنا فالراوي إمّا مناطٌ للحكم بحجيّة الخبر، وإمّا أمارة وقرينة تساعد على الحكم بالحجيّة، أو يحكم بالحجيّة عند وجودِها، وعند فقدِها يبحثُ عن غيرها لذلك يبحث عن حال الرواة في الكتب التي تطرّقت إلى الجرح والتعديل.
ثالثا: الأقوال في المسألة:
قد تقدّم أنّ الخلاف ليس في أصل اعتبار حال الراوي أهو مأمون أم لا ولا في أثرِ ذلك في حجيّة الخبر وعدمِها، وإنّما الخلاف في المانع من الأخذ بما في الأصول الرجالية، والاختلاف فيه على قولين:
قولٌ بالإثبات
قولٌ بالنفي.
أمّا القائلون بالحاجة فأدلّتهم خمسة وهي:
- حجيّة خبر الثقة (أو قل حجيّة خبر الواحد على تعدد مبانيه).
- الأخبار العلاجية التي أمرت بالرجوع إلى صفات الراوي عند التعارض.
- وجود الوضّاعين والمدلّسين في الرواة.
- وجود العامي في أسانيد الروايات.
- إجماع العُلماء.
وأمّا القائلون بعدم الحاجة، فيُذكر عنهم ثمانية أدلّة:
- قطعية أو حجيّة روايات الكتب الأربعة.
- التوثيق الإجمالي.
- شهادة المشايخ الثلاثة.
- عمل المشهور جابرٌ لِضُعف السند.
- لا طريق إلى إثبات العدالة.
- الخلاف في معنى العدالة والفسق.
- عدم توفّر شروط الشهادة في قول الرجالي.
- التشهير بالنّاس في هذا العلم.
رابعاً: ملخّص بيان الأدلة:
أدلّة القائلين بالحاجة:
الأوّل (حجيّة خبر الواحد):
قد تبيّن مما تقدّم في بيان الأصل الذي تتفرّع عليه المسألة أنّ حال الراوي إمّا مناط للحجيّة أو قرينة مُعِينة على الحكم بها أو يُحكم بها على الخبر بذلك.
الثاني (الأخبار العلاجيّة تأمر بالرجوع لحال الراوي):
فقد وصلتنا روايات بينها تعارض ووصلتنا روايات لحلِّ هذه المشكلة فمنها ما أمر بالرجوع إلى صفات الراوي للترجيح بين الخبرين وقد ذُكرت بهذا الشأن رواية عمر بن حنظلة مثالاً.
الثالث (وجود الوضّاعين في الروايات):
فقد ذكر اختيار معرفة الرجال خبرًا عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّا أهل البيت صادقون لا نخلوا من كذّاب يكذبُ علينا فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس" وغيره أخبار تدلّ على حصول الكذب عليهم من الكذّابين فنحتاج لكتب الرجال للتمييز الكاذب.
وقيل بأنّ هذه الأخبار ثبتت أم لم تثبت فهي دليل، فعدم ثبوتها يعني أنّها مفتعلة وهذا هو الموضوع.
الرابع (وجود العامي في ذيل أسانيد الروايات):
لقد كان الأئمة يُسألون من قبل بعض العامّة فيجيبونه بالمعروف بين علمائه تقيّة وقد رُوِيَت هذه الأجوبة في كُتبِنا من غير إعلام بحال الراوي أنّه عاميٌّ أُجيبَ وفق مذهبه، لذلك نحتاج الوقوف على أحوال الرجال كي نميّز المُخالفين لمعرفة التقيّة.
الخامس (إجماع العلماء):
التزم علماء المسلمين وعلماء الإمامية على وجه الخصوص فقهاء ومحدّثين ومجتهدين في عامة العصور بنقل الأسانيد والبحثِ عن أحوال وأوصاف الرواة من حيث العدالة والوثاقة والدقة والضبط، وهذا يدل على أنّ معرفة حال الرواة من دعائم الاجتهاد.
أدلّة القائلين بعدم الحاجة:
الأول (قطعيّة أو حجيّة روايات الكتب الأربعة):
وهي لوحدها مسألة للبحث وقد اختلف فيها وفي تفاصيلها، ثم الذي قال بالحجيّة أو القطع قال بعدم الحاجة لهذه الكتب أو العلم، فصدور الروايات متحقق فلا داعي للتوثق من الموثق أو الصادر.
الثاني (التوثيق الإجمالي):
فالمشايخ الثلاثة وثّقوا رجال أحاديث كتبهم إجمالاً وحكموا بصحّة روايات كتبهم وذلك في ديباجة كتبهم.
الثالث (شهادة المشايخ الثلاثة):
فقد شهدوا على صحة رواياتهم في الكتب الأربعة وأنّها صادرة عن الأئمة بالقرائن وهم عدول يعتمد على شهادتهم وخبرهم.
الرابع (عمل المشهور جابر للضعف):
وهو كذلك مسألة لوحدها تبحث في الأصول، فمن قال أنّ الحجيّة للشهرة وأنّها جابرة وكاسرة قال بكفاية الاعتماد عليها.
الخامس (لا طريق إلى إثبات العدالة):
فالعدالة لا تُثبتُ بالقرطاس، فأهل الرجال أخذوا عدالة الراوي من كُتبٍ نُقِلت من كُتب.
السادس (الخلاف في معنى العدالة والفسق):
بعد وجود الخلاف في معناها لا يصحّ الأخذ بتعديل الرجالي ما لم نعلم بمبناه أو علمنا بمختاره في معناها إن كان قد خالفنا في معناها وقد ذُكر اختلاف معناها عند الشيخ الطوسي.
السابع (عدم توفّر شروط الشهادة في قول الرجالي):
فلو قلنا باعتبار قول الرجالي شهادة فيجب اجتماع شروطها فيه وأحدها الاعتماد على الحس وهو غير متحقّق لعدم التعاصر.
الثامن (التشهير بالناس في هذا العلم):
فقد نُهينا عن التجسس عن معايب الناس واستُدلّ للقائلين به بالآية.
خامسًا: ردود وملاحظات:
الأولى على الدليل الثاني للمثبتين وهي:
الاستناد إلى رواية ابن حنظلة يشكُل عليه بأنّها واردة في القُضاة ولكن ردّ بأن القضاة رواة والاجتهاد قليل المؤنة فالاستنباط ونقل الرواية واحدٌ إلّا بفارقٍ بسيط، فلا خصوصيّة لكون الفرد متصفًا بالقضاء في الرواية.
أضف إليه أنّ في الرواية نفسها يعبّر الإمام بـ "رواياتهما" هذا إضافة إلى سياقها فهو لا يعطي الخصوصية للقضاة بل النّظر إلى المروي عنهم ورواية ابن حنظلة مثال على المراد ويوجد روايات أخرى في المقام.
الثانية على الدليل الثالث للمثبتين:
أقول: للأخباريّة ردّ عندما تحدثوا عن حجيّة الكتب الأربعة واختلاف الحديث، لكن المشايخ الباحثين للمسألة لم يناقشوا ردهم في المقام بل لم يوردوه، إنّما ذكروا أقوال الأخباريين والإشكالات عليهم، وهذا إن كان مُلتفتًا إليه فليس من الإنصاف، فهم يقولون بعرض الكُتب والأخبار على الأئمة وأنّ ذلك ديدن الأصحاب وبشأن الاختلاف فالشيخ يوسف مثلًا ردّ بأنّه لشأن التقيّة.
الثالثة على الدليل الرابع للمثبتين:
هذا الدليل لا ينفي القول بعدم الحاجة فقد تقدّم أنّ المراد منها هو التوثّق من الصدور والحجّية لا وجه الصدور الذي يتحدّث عنه هذا الدليل فهو ليس في محلّه.
الرابعة على الدليل الأوّل للنّافين:
هذا قول مذكور من غير ذكر القائل ومن غير تفاصيل كما هو حال الأقوال الأخرى (وبهذا فهي لا تعدو كونَها أقوال منسوبة)، ففي الروايات ما قال به الأصحاب أنّه لرفع التعارض كما مرّ والظاهر الاتفاق، فإن صحّ هذا القول (أعني وجوده) فهو اشتباه ويُشكل ويُردُّ عليه برواية ابن حنظلة فهو يحتاج معرفة حال الرواي في المتعارضات.
ولكن ردّ عليه كذلك بأنّ المرويات ليست محصورة بالأربعة وذُكر الشيخ النوري مثالًا حيثُ ألّف المستدرك وأتى بما لا يوجد في الأربعة.
الخامسة على الدليل الثاني للنّافين:
البحث في مضمون الديباجة من مفاصل مسألة حجيّة الأربعة كما أشرت إليه في القول الأوّل ولقد أجيب هذا القول بأنّهم إنّما حكموا بصحة الروايات ولم يصححوا الرجال.
السادسة على الدليل الثالث للنّافين:
أقول: هذا القول كالثاني والأوّل مسألة واحدة.
وقد رد بأنّ إخبارهم هذا ليس عن حس بل عن حدس فليس بحجة على غيرهم فاحتمال الاشتباه والخطأ وارد في ما حكموا بصحته اطمئنانا بصدوره لقرائن أوجدته بهم وأمّا الديباجة فلا تنحصر الفائدة في العمل بها بل يكفي كونها باعثا وحافزا إلى تحريك الغير لتحصيل القرائن لعلّه يقف على ما وقف عليه المؤلّف.
السابعة على الدليل الرابع للنّافين:
ردّ عليه بأنّ معرفة المشهور في جميع المسائل أمر مشكل لأنّ بعض المسائل غير معنون في كتبهم (المشهور) وآخر لا شهرة فيه، وآخر يُعدُّ من المشهور والأشهر.
وهذا الردّ لم يدفع القول بل كأنّه أقرّ بصحّته في غير الموارد الثلاث وفيها لم يقل بعدم صحّته بل بعدم إمكان تطبيقه.
والأولى نقاشه بأنّه بعد ثبوت الحجيّة للمشهور يأتي الكلام في انحصارها به (أمنحصرة أم لا) وإن سُلِّمَ بالانحصار يبقى البحث في الموارد التي لا يمكن تطبيق المبنى فيها أمجرى للبراءة أم للاحتياط أم ماذا، هذا وشبيهه في الأصول.
الثامنة على الدليل الخامس للنّافين:
رد عليه بأنّ هذه الكُتب ثابتة بالنسبة إلى أصحابها تواترًا أو استفاضةً أو بما يُورث الاطمئنان العقلائي (العلم العرفي) فيصحّ الأخذ منها والاعتماد عليها ولذلك تُقبل الوصايا المخطوطة.
أقول: الإشكال ليس في ثبوت نسبة الكُتب، بل في الحكم بالعدالة بناءً على المدوّن، فالعدالة أمر حسّي يُدرك بالمعاشرة، وسأذكر ردًا على ذلك في الملاحظة العاشرة.
التاسعة على الدليل السادس للنّافين:
رُدَّ هذا القول بأن الشيخ لكونه عادلًا مُلتفتًا إلى الخلاف يُريد بالعدالة المعنى المتفق عليه، خصوصًا أن التأليف كان لغيره ولأجل الاستفادة مدى الدهر، وقال صاحب الردّ أنه لو صرّح المؤلّف بمذهبه في مجال الجرح والتعديل يؤخذ به، وإن ترك التصريح فالظاهر اقتفاؤه أثر المشهور.
وفيهما: الخلاف نقل عن الطوسي استنادًا إلى كلامه في العدة واستذكر الآن تصريح الباحث، أيَّ باحث لمسألة العدالة بمختاره وعليه فيكون معنى العدالة معلومًا من كل طرف، ويُلاحظ عل هذا الدليل أنّه وإن لم نعلم بمعنى العدالة فهذا لا ينفي الحاجة إلى البحث والدراسة للوصول إلى حال الراوي بما يطمئن به، فهذا الكلام لا داعٍ له إن كان يقول بحجيّة الكتب الأربعة فيكفيه ذاك، فلا أراه دليلًا أو مانعًا جيدًا.
ولا يخفى على الطّالب أثر ودخول مسألة انسداد العلم والعلمي في المقام.
العاشرة على الدليل السابعة للنّافين:
ممّا ردّ به أنّ قول الرجالي مبني على الحس لوجوه ثلاثة هي:
الأوّل: مراجعتهم للكتب المعتبرة عندهم وهي الكتب المؤلفة في العصور المتقدمة.
الثاني: السماع من كابر عن كابر.
الثالث: الاعتماد على الاستفاضة والاشتهار بين الأصحاب وهو أحسن الطرق كما وصف.
أقول:
معنى هذا القول ولازمه عدم ثبوت العدالة للماضين فنحن لم نعاصرهم وهذا ينفيه الواقع فها نحن نحكم بعدالة زرارة وعدالة عمّار وغيرهما من غير معاشرة بل من غير التفات إلى وجود مخبر عنهم بالحس من عدم وجوده وما ذلك إلّا لحصول العلم وموضوعيّته فهذا غير منحصر بمعاشرة الفرد لمعرفة حاله فمن نريد معرفة حاله إمّا معاصر وإمّا متقدّم فالمعاصر يعرف ذلك بمعاشرته بل بغير معاشرته وكذلك المتقدّم يعرف بغير المعاشرة كالرجوع إلى من دوّن بشأنه وأرّخه أو كان مهتمّا بتوثيق الرجال ومشتغلا بهذا الشأن وبمعرفة ذلك بالقرائن مثلا.
الحادية عشر على الدليل الثامن للنّافين:
فقد رُدّ عليه بأنّه في باب المُرافعات للمنكر جرح شاهد المدّعي وتكذيبه، وقد أُمِر بذكر المعايب في الاستشارة وبعد الأمْرِ فالأولويّة ثابتة فنحن في مقام ما تُبنى عليه الشريعة، فالأحكام الإلهيّة أولى بالتحفّظ من الحقوق المشار إليها.
الخلاصة والقول:
أساس ومنطلق المسألة خارجي وهو الكتب الأربعة أمّا أصل اعتبار حال الراوي في الحجيّة أو أماراتها فلا خلاف فيه، أّمّا الكتب الأربعة فإن قلت بحجيتها ـ وأعني جميع المرويات لا الحُجيّة إجمالاً ـ فلن تحتاج لمراجعة حال الرواة لأجل التوثّق من مروياتها هي لكن ستحتاج إلى ذلك في غيرها من المروّيات و - في مقام الاستنباط -لأجل رفع التعارض فقد أمرت بذلك رواية ابن حنظلة.
أمّا بخصوص الكتب الرجالية فالقول بالتجسس لا يصح فهذا ليس موردا له.
فالحاصل هو التوثّق من حال الرّاوي وأمانته بل ضبطه لنعلم أهو مأمونٌ على معالم الدّين فتؤخذ منه وإن كان كذلك فما حال مروياته ضبطاً فلا يتبادر التجسس بهذا الشأن والمورد، أضف إليه أنّه ليس بالأمر الخفي ولا العيب المتستّر عليه (كونه موثوقا أم غير موثوق وضابطا أم غير ضابط).
أّمّا التّشهير فلا يصدق على التوثّق من ذلك فهو فعل مدوّن الحال (أصحابِ الكتب أنفسهم) لا الباحث عنه والسّائل فلو حصل أن وقف على عدم وثاقة الراوي مما يشهّر به ـ إنْ سلّمنا ـ فيمكن الاكتفاء ببيان إمكان الاعتماد من عدمه بألفاظ عدّة تبين الحال والأمانة والضبط من غير تشهير فلا يكون مشهّرا، أضف إلى ذلك أنّ الأئمة قاموا ببيان حال رواة وذمّوا بل لعنوا، فها هو أبو ذر مثلًا ذمّ "أمرناه بالسكوت فلم يسكت" وقد أمرت رواية ابن حنظلة بالأعدلية وإلى آخره.
ملاحظة: لكي نقول أنّ هذه العلوم تشهّر بالنّاس ينبغي أن يكون ذلك ظاهرة لا حالات هنا وهناك، فنرى أذكر أصحاب الكتب أموراً لا تصُبّ في بيان حال الرّاوي وثاقةً وضعفاً وضبطاً مع كونها عيوباً يُتستّر عليها وتشين صاحبها أم لم يذكروا ما هذا حاله.
أمّا العدالة (وهي ليست بخصوص الكتب الرجالية ولا أصل اعتبار حال الراوي) فهناك مسألة تسبق هذا الإشكال وهي وجه الأخذ بقول الرجالي وقيمتُه ففيها قولان قول بأنّه يؤخذ به حجّةً وقول أنّه يؤخذ به مفيدًا للاطمئنان ـ بل ثالث بأنّه أمارة قد تفيد الاطمئنان وقد لا تفيد ـ فإنّ الإشكال لا يتوجّه على القول الثاني، وإن توجّه إلى الأوّل فالجواب كما تقدّم في الملاحظة العاشرة.
ملاحظة أخيرة ما نُقل بأنّه دليل لا يسمى دليلا في نظري بل ما هي إلّا موانع ولوازم يُفترض عدم إمكان التطبيق معها.
والحمدلله ربّ العالمين
وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين.
انتهت مراجعة وإخراج الورقة بهذه الصورة:
٢٢ سبتمبر ٢٠٢٣
٦ ربيع الأوّل ١٤٤٥
الجمعة.
عليّ بنُ عبدالله زيد الجمري.