بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيّدِ الأنبياء والمرسلين مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.
كيف نقرأ عصرَ الانتظارِ كما جاء في الرِّوايات؟
العالمُ الآنَ في عصر الانتظار، وعلى امتداد عصر الانتظار تتحرَّك في العالم مجموعة قوى، هكذا تحدَّثت الأخبار والرِّوايات.
أنا هنا أتحدَّثُ مِن منظورِ (الموروث الرِّوائيِّ) وليس من منظور القراءة السِّياسيَّة المعاصرة، حتَّى لا يُقال أقحمتم الدِّين في السِّياسة، أو أقحمتم السِّياسة في الدِّين.
وحتَّى لا أدخل في جدليَّة (الدِّين والسِّياسة) أقول: إنَّ حديثي ينطلق مِن (الموروث الرِّوائيِّ) الذي صدر قبل أكثر مِن ألف سنةٍ، منذُ عصر النُّبوَّة، واستمر في عصر الأئمَّة مِن أهل البيت (عليهم السَّلام)، وعصر الحُفَّاظ وكبار رجال الحديث.
عصر الانتظار هو كلُّ التَّاريخ الذي يسبق عصر الظُّهور، ظهور الإمام المهديِّ مِن آل مُحمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ولا يضرُّ أنْ تتعدَّد الرُّؤى حول شخصيَّة هذا الإمام المنتظر (عليه السَّلام)، والذي يُسمَّى (المهديُّ مِن آل مُحمَّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)).
كيف تُحدِّثنا الأخبار والرِّوايات عن عصر الانتظار؟
تقول هذه الأخبار والرِّوايات أنَّ العالمَ في عصر الانتظار ينشطر إلى أربع مسارات.
مسارٌ واحد فقط يُهيِّئ لدولة الإمام المهدىِّ المنتظر (عليه السَّلام)، ويمثِّل هذا المسار كلَّ المسلمين الذين يؤمنون بدولة المهديِّ المنتظر (عليه السَّلام) في آخرِ الزَّمان، وهؤلاء ينتمون إلى كلِّ المذاهب الإسلاميَّة.
والمسارات الثَّلاثة الأخرى هي متآزرة في مواجهة خطِّ الانتظار.
وهذه المسارات الثَّلاثة وحسب ما جاء في الأخبار والرِّوايات تحمل العناوين التَّالية:
العنوان الأوَّل: القوى الدَّجَّاليَّة
العنوان الثَّاني: القوى السَّفيانيَّة
العنوان الثَّالث: القوى اليهوديَّة
هذه العناوين تمثِّل القوى التي سوف تعلن الحرب ضدَّ الإمام المهديِّ المنتظر (عليه السَّلام).
وهل لهذه القوى حضور في عصر الانتظار؛ يعني قبل ظهور الإمام المهديِّ (عليه السَّلام)؟
كما للإمام المهديِّ (عليه السَّلام) موطِّئون، هناك الموطِّئون للدَّجال.
وهناك الموطِّئون للسَّفياني.
وهناك دورُ اليهود في كلِّ الأعصر.
اليهود قوى فاعلة في خطِّ الدَّجال، وقوى فاعلة في خطِّ السَّفياني.
دعونا نلقي بعض الضَّوء على هذه العناوين، وهذه الخطوط.
العنوان الأوَّل: الدَّجال (القوى الدَّجَّاليَّة)
توافرت كتب الحديث والأخبار لدى جميع المسلمين بكلِّ مذاهبهم على كمٍّ كبير مِن الرِّوايات التي تتحدَّث عن (الدَّجَّال) أو مضامينها.
أورد هنا بعضًا مِن هذه الرِّوايات، ولا يعني أنَّ كلَّ ما ورد في الدَّجال هو صحيح، فهناك أحاديث كثيرة موضوعة.
– جاء في الرِّوايات: أنَّ الدَّجال يظهر في آخرِ الزَّمان، ولا شك أنَّ له موطِّئين ومهيِّئين في كلِّ الأعصر کما قلنا.
– وفتنته أعظم الفتن.
– مكتوبٌ بين عينيه كافر.
– ومِن صفاته أنَّه أعور.
– وسلاحه الكذب والخداع.
– يتبعه خلقٌ كثير حتَّى مِن المسلمين.
– يُقتَل الدَّجال على يدِ الإمام المهديِّ (عليه السَّلام)، وبمساعدة نبيِّ الله عيسى بن مريم (عليه السَّلام).
هنا بعض أسئلة:
السُّؤال الأوَّل: هل الدَّجال شخصٌ أو هو عنوان لخطٍّ؟
هناك اتِّجاهان في فهم شخصيَّة الدَّجال:
الاتِّجاه الأوَّل:
أحد رموز الكفر العالميِّ يملك موقعًا قياديًّا كبيرًا على مستوى السِّياسة والاقتصاد والأمن، ولديه إمكانات كبرى على مستوى العالم، إمكانات عسكريَّة وحربيَّة متطوِّرة جدًّا، وتخضع له مساحات واسعة في العالم.
الاتِّجاه الثَّاني:
الدَّجال ليس شخصًا، وإنَّما هو عنوان لخطِّ الكفر في العالم، ويمثِّل هذا الخطّ رموز متعدِّدة، يقودون مسار الكفر العالميِّ، ويهيمنون على سياسات العالم، وأمن العالم، واقتصاد العالم، وكلِّ مسارات العالم.
الدَّجال اعتبرناه شخصًا أو خطًّا هو أحد القوى الكبرى التي تهيِّئ كلَّ إمكاناتها وقدراتها العسكريَّة والاقتصاديَّة والأمنيَّة والإعلاميَّة لمواجهة خطِّ الإمام المهديِّ المنتظر (عليه السَّلام) في عصر الانتظار، ولتخوض معه معارك كبرى في عصر الظُّهور.
السُّؤال الثَّاني: ماذا تعني عبارة (مكتوب بين عينيه كافر) كما جاء في الرِّوايات؟
هذا يعنى أنَّه يحمل شعار الكفر، ويمثِّل خطَّ الكفر بكلِّ صيغهِ ومذاهبه ومساراتِه، فالكفر لیس مِلَّة واحدة، إلَّا أنَّ هذه الملل الكافرة في العالم تلتقي مصالحها في مواجهة خطِّ الإمام المهديِّ المنتظر (عليه السَّلام).
رُبَّما تتباين مصالح السِّياسة، ومصالح الاقتصاد، ومصالح الأمن عند هذه القوى الكافرة، ولكنَّها تتوحَّد في مواجهة مشروع الإمام المهديِّ (عليه السَّلام)؛ سواء في عصر الغَيبَة أو في عصر الظُّهور.
السُّؤال الثَّالث: ماذا تعنى عبارة (وفتنته أعظم الفتن)؟
لا يوجد إعلام مضلِّل، وإعلام ينشر الفساد في العالم كإعلام القوى الكبرى، والتي تملك أحدث وأخطر وسائل الضَّلال والفساد في العالم، وهي التي تروِّج لكلِّ أشكال الشُّذوذ والعُهر والفُجور، ولكلِّ العناوين الفاسقة كالمثليَّة، وكلَّ ألوان الدَّعارة.
كما عبَّرت الرِّوايات التي تتحدَّث عن ألوان مِن المنكرات الكبرى في آخرِ الزَّمان، وحتَّى في أوساط المسلمين.
- في الحديث الوارد عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«كَيْفَ بِكُمْ إِذَا فَسَدَتْ نِسَاؤُكُمْ، وَفَسَقَ شَبَابُكُمْ [أو شبَّانكم]، وَلَمْ تَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَلَمْ تَنْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ؟
فَقِيلَ لَهُ: وَيَكُونُ ذلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟
فَقَالَ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): نَعَمْ، وَشَرٌّ مِنْ ذلِكَ، كَيْفَ بِكُمْ إِذَا أَمَرْتُمْ بِالْمُنْكَرِ، وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمَعْرُوفِ؟
فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَيَكُونُ ذلِكَ؟
قَالَ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): نَعَمْ، وَشَرٌّ مِنْ ذلِكَ، كَيْفَ بِكُمْ إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا، وَالْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا؟».
(الكليني: الكافي 5/59، (ك: الجهاد، ب: الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ)، ح 14).
وجاء في الكلمة عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «يَظهَرُ في آخِرِ الزَّمانِ وَاقتِرابِ السَّاعَةِ – وهُوَ شَرُّ الأَزمِنَةِ – نِسوَةٌ كاشِفاتٌ عارِياتٌ، مُتَبَرِّجاتٌ [خارجات] مِنَ الدِّينِ، داخِلاتٌ فِي الفِتَنِ، مائِلاتٌ إلَى الشَّهَواتِ، مُسرِعاتٌ إلَى اللَّذَّاتِ، مُستَحِلَّاتٌ لِلمُحَرَّماتِ، في جَهَنَّمَ خالِداتٌ».
(الصَّدوق: من لا يحضره الفقيه 3/390، ح 4374)
السُّؤال الرَّابع: ماذا تعنى العبارة في وصف الدَّجال: «أنَّه أعور»؟
لعلَّ المراد: أنَّ الفكر الذي تُروِّج له القوى الدَّجاليَّة في العالم هو غارق في (المادَّة)، وبعيد كلَّ البعدِ عن (الرُّوح)، بل وظَّفت مشاريع الدَّجال كلَّ قدراتِها وإمكاناتِها لمحاربة (القِيَم الرُّوحيَّة) و(القِيَم الأخلاقيَّة).
فلا فضيلة، ولا مُثُل، ولا طُهر.
بل رذيلة، فجور، قذارة.
هنا عينٌ ماديَّةٌ غارقة في الفُسق، أمَّا العين الأخرى (عين الرُّوح) فهي مطموسة عمياء، مِن هنا جاء التَّعبير عن الدَّجال بأنَّه (أعور).
السُّؤال الخامس: لماذا سُمِّي الدَّجال بـ «المسيح الدَّجال»؟
يحاول البعض تصحيح المعنى؛ فيقول المقصود مِن المسيح (كون عينه ممسوحة).
إلَّا أنَّ الرَّأي الأصوب أنَّ الذين أسموهُ بـ (المسيح الدَّجال) هم اليهود، بغضًا للسَّيِّد المسيح (عليه السَّلام)، وممَّا يؤسف له أنَّ هذه التَّسمية تسرَّبت إلى مصادر المسلمين.
وأمَّا الرِّوايات الواردة عن طريقِ أئمَّة أهل البيت (عليهم السَّلام) فلا يوجد فيها إطلاقًا عن كلمة (المسيح) بل جاء لفظ (الدَّجال) مجرَّدًا عن كلمة (المسيح)، وممَّا يؤسف له أنَّ كثيرًا مِن مرويَّات اليهود تسربت إلى مصادر الحديث عند المسلمين.
السُّؤال السَّادس: مَنْ الذي يقتل الدَّجال وينتصر عليه؟
سواءً أقلنا بأنَّ الدَّجال شخصٌ معيَّن، أو قلنا بأنَّ الدَّجال عنوانٌ وخطٌّ.
يقتله الإمام المهديّ (عليه السَّلام) وبمؤازرة السَّيد المسيح عيسى بن مريم (عليه السَّلام).
متى تبدأ المعركة مع الدَّجال؟
جاء في الرِّوايات أنَّ الإمام المهديَّ (عليه السَّلام) يدخل بيت المقدس ويُصلِّي بالنَّاس إمامًا، فإذا كان يوم الجمعة، وأقيمت الصَّلاة نزل المسيح عيسى بن مريم (عليه السَّلام) فيطلب مِنه الإمام المهديُّ (عليه السَّلام) أنْ يتقدَّم ليأمَّ المصلِّين، فيقول السَّيِّد المسيح للإمام المهديِّ (عليه السَّلام): لك أقيمت الصَّلاة.
فيتقدَّم الإمام المهديُّ (عليه السَّلام) فيؤمَّ النَّاس ويصلِّي نبيُّ الله عيسى خلفه.
وبعد الصَّلاة يتم التَّحرُّك في مواجهة (الدَّجَّال) شخصًا أو مشروعًا..
ومَنْ يقود هذا التَّحرُّك في مواجهه الدَّجال؟
هناك رؤيتان:
الرُّؤية الأولى: يقود هذا التَّحرُّك الإمام المهديّ (عليه السَّلام) ويساعده نبيّ الله عيسى.
الرُّؤية الثَّانية: يقود هذا التَّحرُّك نبيُّ الله عيسى، لأنَّ أتباع الدَّجال غالبيتهم ينتمون إلى دين المسيح، وإنْ كان انتماءً مزوَّرًا.
فيوجِّه إليهم نبيُّ الله عيسى خطابًا يدعوهم فيه إلى الإسلام، فيستجيب له أعداد كبيرة.
ويبقى من يبقى، فيحاربهم نبيُّ الله عيسى، ويتم القضاء على الدَّجال وأتباع الدَّجال.
وهنا يكسر عيسى كلَّ الصُّلبان، لتنتهي خرافة الصَّلب التي ظلَّت تهيمن على العقل المسيحيِّ طيلة أجيال طويلة.
ويقتل الخنازير لتنهي حُكمًا فاسدًا استمر أحقابًا يبيح لهم أكلها.
سواءً أقلنا أنَّ مَنْ يقتل الدَّجال هو الإمام المهديُّ (عليه السَّلام) حسب روايات الأئمَّة مِن أهلِ البيت (عليهم السَّلام)، أم هو نبيُّ الله عيسى (عليه السَّلام) فإنَّ هذا القتل ينهي كلَّ الكيانات الكافرة بكلِّ انتماءاتها وصياغاتها.
السُّؤال السَّابع: ما معنى «سلاحه الكذب والخداع»؟
القوى الدَّجاليَّة في العالم تملك أحدث وأقوى (الوسائل الإعلاميَّة)، وتملك أكبر الأدوات المتخصِّصة في نشر الأضاليل والأكاذيب وبثِّ الفتن، ولعلَّ مصطلح (الدَّجال) يُعبِّر عن الدَّجل والخِداع والتَّزوير وبث الأباطيل، وهل يملك هذه العصور إلَّا (إعلامُ الدَّجل).
وكم سقطت في أسرِ هذا الإعلام الدَّجاليِّ أنظمة وشعوب، وقوى، ومؤسَّسات، وهكذا يتَّضح معنى الكلمة الواردة في وصف الدَّجال بأنَّ «سلاحه الكذب والخداع»، وهذا السِّلاح هو أخطر وأفتك الأسلحة.
إلى هنا أكتفي بهذه الحديث عن الدَّجال.
وأمَّا الحديث عن (السُّفياني) و(اليهود) فيأتي – إنْ شاء الله تعالى -.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
وأفضل الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين مُحمَّدٍ وآلهِ الطَّاهرين.