وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) التوبة.
يذكر القرآن الكريم في مواضع مختلفة من آياته الولاية، ومن تلك المواضع هذه الآية التي صدرنا بها هذا المقال حيث جعل الله الولاية للمؤمنين والمؤمنات بعضهم البعض، وفي مواضع نجد المولى جعل الولاية له عز وجل ولرسوله (ص) ولفئة من المؤمنين بهم صفات خاصة، حيث يقول سبحانه: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)) المائدة.
وقد ورد بشكل معتبر أنّ من أدى الزكاة حال ركوعه في الصلاة هو أمير المؤمنين علي (ع) لا غيره.
وبعد ملاحظة هاتين الآيتين يمكن لنا أن نقول أنّ الولاية على لها أقسام أهمها ما يكون لله وللرسول (ص) وللأئمة (ع). ومنها ما يكون مجعولا بين المؤمنين بعضهم البعض.
والولاية في قسمها الأول تعني ملكية التصرف في الأمور، فولاية الله يعني أنّ الله سبحانه هو المالك للتصرف في أمورنا من تدبير أو تكوين أو غير ذلك، وولاية الرسول (ص) والأئمة (ع) تعني ملكيتهم للتصرف في أمورنا السياسية أو الإجتماعية أو الشرعية وغيرها، وهي عندئذ دليل على خلافة النبي (ص) والأئمة (ع) على جميع المؤمنين.
وحديث الغدير الوارد عن رسول الله (ص) في قوله: (من كنت مولاه هذا علي مولاه) هو في سياق بيان هذه المرتبة من الولاية إذ أن النبي (ص) قد صدّر حديثه بقوله: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى)، وهو يشير إلى قوله سبحانه: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ..) الأحزاب 6.
أما الولاية في قسمها الثاني والتي أشارت لها الآية المباركة: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ..)، في تشير إلى ولاية المحبة والنصرة. فالمؤمن والمؤمنة بعضهم بعضا رغم ما تجده من اختلافات بينهم فهم أحباب فيما بينهم أنصار لبعضهم البعض، فالله لما عطف المؤمنات على المؤمنين أراد أن ينبه على أن الاختلاف البنيوي والتكويني لا يمنع أبدا من وجود المحبة الإيمانية والنصرة بين المؤمنين بعضهم البعض والمؤمنات. فكيف إذا كانت الاختلافات اختلافات فكرية في الرؤى والأفكار وفي تشخيص بعض القضايا وما شاكل، فإنها أبدا لا يجب أن تكون مانعا عن التداعم بين المؤمنين بعضهم البعض.
أدوات المحافظة
على الولاية بين المؤمنين..
- الوحدة ونبذ التفرق:
في سياق التأكيد على ضرورة تداعم المؤمنين بعضهم البعض نقرأ جملة من الآيات الداعية للوحدة والناهية عن الفرقة، نذكر منها:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ..) الحجرات – 10.
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا..) آل عمران – 103.
(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) آل عمران 105.
(أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) الشورى 13.
وهذه الآيات تشكل قاعدة حث الفكر والثقافة الذهن الاسلامي نحو الوحدة ونبذ الفرقة، وهي تشير بشكل واضح تماما إلى أن الفرقة بين المسلمين بعضهم البعض ليست حالة صحية أبدا.
والوحدة ونبذ الفرقة هنا في القرآن الكريم هي في مساق الولاية بين المؤمنين بعضهم البعض، فالوحدة هي حالة التداعم والتناصر والتعايش للمسلمين بعضهم البعض.
- المودة والتحاب:
بالإضافة إلى تلك الآيات الكريمات الداعية للوحدة ونبذ التفرق نجد جملة من الأحاديث والروايات التي تؤكد على جملة من الصفات والملكات الأخلاقية التي من شأنها إيجاد حالة من التداعم والتناصر والولاية بين المؤمنين بعضهم البعض.
نذكر منها:
- النهي عن الظن والتجسس والغيبة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ.
الآية المباركة عندما نهت عن تصديق الإشاعات المجهولة المصدر والغير موثقة، ونهت عن تتبع العثرات، ونهت عن الغيبة والتي هي ممارسات سلبية تهدف إلى توهين المؤمنين وإفقاد الثقة بين بعضهم البعض لتتمكن ثقافة الشيطان بعد ذلك من المرور.
لذلك الشارع لم يكتف فقط بالنهي عن هذه الممارسات السلبية، بل حث على مواجهتها فعن رسول الله (ص):(من اغتيب عنده أخوه المسلم، فاستطاع نصره فلم ينصره، خذله الله في الدنيا والآخرة). وعن الإمام الباقر (ع): (من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله في الدنيا والآخرة، ومن اغتيب عنده أخوه المؤمن فلم ينصره ولم يعنه ولم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته وعونه إلا خفضه الله في الدنيا والآخرة).
- النهي عن التباغض والحسد:
عن رسول الله (ص): (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنون حتى تحابوا)، وقال (ص): (الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يجب لنفسه).
وقال: (إياكم والظن فإنّ الظن أكذب الحديث، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام).
هذه الأحاديث حاثة على التحاب والمودة بين بعضنا البعض لتبقى الولاية بين المؤمنين بعضهم البعض.
- النهي عن تولي الكفار:
في بعض الأحيان لا يكتفي الإنسان بالانحراف عن الطريق المعبد والصحيح الذي يوصله إلى الغاية والهدف والمنشود، بل ينحرف ويسير في اتجاه معاكس تماما للاتجاه الصحيح يختلف في نتيجته تماما عن النتيجة والهدف المنشود.
وهذا ما تحدث عنه المولى سبحانه حينما قال: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) آل عمران.
فهناك بعض منا مع الأسف الشديد بدلا من تولي المؤمن يتولى الكافر، أي يعيش في حالة من التناصر والتداعم للكافرين ولا يخفى ما تقوم به بعض حكومات الدول العربية والاسلامية في هذا السياق، فهي تناصر الكفر على الإسلام والمسلمين كل ذلك خوفا على السلطة.
والله سبحانه ينذر هؤلاء ويخبرهم بتفاصيل واقعية يعيشها الكفار فيما بينهم فيقول سبحانه :(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (73) الانفال.
هذه هي الحقيقة فإن الكفار يجتمعون على الباطل ويحرصون عليه أكثر من اجتماعنا على الحق وحرصنا عليه.
ويقول سبحانه في موضع آخر: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) النساء.
التولي للكافر يعني أن الإنسان يعيش حالة من النفاق، التي يسعى المنافق من خلالها إلى الوصول إلى نوع من المكاسب كالسلطة والعزة، ولكن هذا سعي يخيب ساعيه ذلك أن العزة لله ولرسوله (ص) والمؤمنين.
يقول (ص): (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم وهم يد على من سواهم فمن أخفر (أي نقض عهدا) مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صدق ولا عدل).
- التركيز على العدو:
عندما تحدث المولى سبحانه وتعالى عن الشيطان وعلاقته بالإنسان وصفه فقال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) وقال أيضا: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
وغيرها من الآيات وهي كثيرة التي عبرت عن الشيطان بالعدو، فلماذا هذا التعبير والتأكيد؟!
يمكن لنا أن نستعين أيضا بقوله سبحانه عن المنافقين: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) المنافقون.
فهو أيضا عبر عن المنافقين بالعدو بتميز في التعبير يتمثل في حث الرسول (ص) وهو حث للمؤمنين على ضرورة اعتبار وتصنيف المنافقين تصنيف الأعداء الذين يجب الحذر منهم.
هذه هي القضية التي يريدها المولى سبحانه، ففي بعض الأحيان يبتعد الإنسان عن شيء شرير ولكن يبقيه على جانبه بعيدا، وهذا نوع من الاجتناب عن الشيء، وفي أحيان أخر يجعله في مقابله مقابل العدو المراقَب والمتحذر منه، وهذه درجة أقوى في المواجهة والوقاية من الشر، وهي الدرجة التي يريدها الله سبحانه في مواجهة الشيطان والمنافقين.
وفي نقطة أخرى تتصل بأصل حديثنا:
أن الله سبحانه ينبه المؤمنين على الخطر الحقيقي، وهو خطر يكمن في وجود العدو الذي لا خلاف ولا شك في عدائه، فقد يختلف المؤمنون بين بعضهم البعض وتتسع هوة الخلاف، ولكن لا يجب أن ينسى المؤمنون العدو الحقيقي الذي يجب من أجله أن تجتمع الجهود ويتداعم ويتناصر ويتوالى المؤمنون بعضهم البعض في مواجهته.
فيا أخي الكريم لا تدر ظهرك إلى الخلف ولا تدر وجهك يمينا ولا يسارا تنظر إلى المؤمنين من حولك وتعيش معهم إشكالات ومشاكل وتعقيدات أيا كانت؟!
بل حافظ على جاهزيتك دوما في مواجهة العدو فإن العدو هذا مما يجب أن تتحذر منه دوما، فإنه سريع مباغت يستغل أيّ غفلت هنا أو هناك.