بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
.....[1] وعرّفه آخرون من علماء اللغة بأنه الصوت الموزون والمحرك للقلب، وبعضهم قال إنه الصوت الحسن المشتمل على المد والترجيع المطرب، وعرفوا الطرب بأنه خفة تعتري القلب فتفرحه أو تحزنه.
ومن أجل هذه الاختلافات أو بسبب هذه الاختلافات حاول بعضهم أن يجمع كل عناصر هذه التعريفات فيصوغ منها تعريفاً فقال: هو صوت الإنسان الذي من شأنه إيجاد الطرب، وبسبب ذلك ذهب بعض الفقهاء كصاحب الحدائق رحمه الله إلى أنه لما كانت ماهية الغناء عند علماء اللغة موضع اختلاف فلا بد من إرجاعها إلى العرف، يعني إلى أهل اللغة؛ المستعملين للغة من للناس، فما أطلق عليه الناس غناءً فهو غناء سواء اشتمل على مد الصوت أو لم يشتمل، وسواءً حصل فيه الترجيع أم لم يحصل، فالعبرة هو أن مستعملي اللغة العربية يطلقون عليه لفظ الغناء، فإذا كان العرب في أثناء استعمالهم لهذه اللفظة يطلقونه على نوع من أنواع الكلام، فهذا الكلام غناء وإن لم يشتمل على المد والترجيع، أو غير ذلك، وإن كانوا لا يطلقون عليه غناء فلا يسمى غناء ولا تنطبق عليه الأحكام وإن اشتمل على المد والترجيع، وغير ذلك مما ذكروا.
وإذا أردنا أن ندرس هذه التعريفات فيمكن أن نقول إن الغناء شأنه شأن الكثير من المفهومات اللغوية المدلول بها على بعض المظاهر الاجتماعية ليست له ماهية محددة بالدقة كسائر الماهيات والطبائع العقلية، وهذا هو الفرق بين الأشياء أو الطبائع العقلية والظواهر الاجتماعية، فلفظ المسكر مثلا يطلق على كل ما من شأنه أن يوجد الإسكار، وربما كان قليله لا يسكر وإنما يسكر كثيره، ولكنهم يطلقون على ذلك القليل الذي لا يسكر اسم المسكر، فكذلك الغناء، لما كان من هذه المفهومات المتعلقة بهذه الظواهر، لا نرتجي أن نجد له تعريفاً جامعاً مانعاً كما يقول علماء المنطق، خاصة وأن علماء اللغة ليس من شأنهم تحديد الماهيات بالدقة العقلية، وإنما من شأنهم بيان المعاني التي استعمل العرب فيها ذلك اللفظ، ولما كانت استعمالات اللغة أو استعمالات العرب للغتهم تختلف من مورد إلى مورد، باختلاف ملاحظة الخصوصيات التي قد توجد في مصداقٍ وتختفي في مصداق، نشأت هذه التعريفات في كتب اللغة. فالأغنية التي تحتاج إلى مد الصوت يصاحبها مد الصوت ويطلق عليها العرب اسم الغناء، فيأتي اللغوي ويقول هو الصوت المشتمل على المد المطرب، ولكن ليس كل الأغاني تقتضي مد الصوت، بل ربما بعض الأغاني تقتضي أن لا يوجد فيها مدٌ للصوت وإنما توجد ترنيمة واحدة متكررة مترتبة، فيلاحظها العربي ويطلق عليها لفظ الغناء أو الأغنية؛ فيأتي اللغوي ويأخذ هذه الملاحظة التي لاحظها العربي فيعرف الغناء بأنه الصوت المشتمل على الترجيع المطرب باعتبار ترجيع المغني لتلك الترنيمة الواحدة غير الممدودة.
فإذن بسبب هذه الملاحظات عند المستعملين للغة اختلفت كلمات علماء اللغة عندما جمعوها، وإذا أردنا أن نوجد تعريفاً لا نقول إنه جامعٌ مانع ولكنه يحتوي على العناصر المهمة التي لاحظها العرب في إطلاق ما أطلقوا عليه لفظ الغناء، فيمكن أن نقول بأنه الصوت الحسن المرجع بترتيب متعارف عليه ومن شأنه إيجاد الطرب، أو نقول بأنه صوتُ إنسانٍ حسنٌ مرجعٌ فيه بترتيبٍ متعارف عليه من شأنه إيجاد الطرب، فبقولنا صوت إنسانٍ نخرج سائر الأصوات التي تكون بترجيع مترتب ومتعارف عليه كالأصوات الخارجة من الآلات الموسيقية مثلاً فإنها أصوات وحسنة ومرجعة بترنيمة معينة وبنغمة معينة ومن شأنها إيجاد الطرب ولكن لما لم تكن صوت إنسان فإنها لا يقال عنها أنها غناء، فلا ينطبق عليها عنوان الغناء، ولا ينطبق عليها أحكام الغناء وإنما تنطبق عليها أحكامٌ أخرى في الشريعة الإسلامية هي ما اعتاد الفقهاء أن يطلقوا عليه آلات اللهو، وقولنا حسن -وصفه بأنه حسن- في هذا المورد أو الحُسن في هذا المورد بل في كل الموارد الجمالية، لا نعني به الحُسن العقلي، وإنما نعني به احتوائه على الناحية الجمالية، ولا شك أن وصف الشيء بالناحية الجمالية بأنه حسن مما تحار فيه العقول والأفهام، بل لا يتفق اثنان على ملاحظة جهة الجمال في شيء واحد، فالجمال مورد إحساس أكثر منه مورد تعقل، فالصوت الحسن هو الذي يكون فيه ناحية جمالية ذاتية، فلو كان أبح خِلقةً أو أجرش خلقةً، فإذن لا يسمى ذلك الصوت غناءً، لماذا؟ لأنه يفقد عنصر الجاذبية، وإنما تنجذب النفوس إليه لوجود ملاحظة الناحية الجمالية فيه وهي ما وصفناه بأنه حسن، ولكن درجات الحُسن في كل شيء متفاوتة، فمنها ما هو رفيع المستوى جداً ومنها ما وضيع المستوى جداً، المهم أن توجد فيه ناحية جماليةٌ تنجذب النفوس إليها وتستهوي القلوب ولو بصفة ضعيفة جداً، ومع فقد هذه الناحية الجمالية لا تنجذب النفوس إليه ولا تميل القلوب نحوه فيخرج عن هذه الملاحظة التي يلاحظها العربي لاستعمال لفظ الغناء، وغير المرجع بترتيب معين فلأنه مالم يكن له ترجيع بترتيب معين حتى لو كان وصفه حسناً وحتى لو تحققت فيه الناحية الجمالية فما لم يكن له ذلك الترتيب المعين المتعارف عليه بأنه من تراجيع الغناء وترانيمه لا يطلق عليه لفظ الغناء، وإلا لكان مجرد قراءة نص أدبي مثلا من شعر أو غير شعر أو قرآن أو دعاء أو غير ذلك بصوت حسن يستهوي القلوب ويجذب النفوس ينطبق عليه أنه غناء، والحال أن العرب لا يطلقون على كل صوت حسن أنه غناء، وإنما يطلقون عليه أنه غناء إذا كان ذلك الصوت قد قيل بترتيب معين وبترنيم أو بنغمات معينة، ففيه سكتات معينة في مواضع محددة، وفيه نطقات في مواضع محددة، والمقاطع الصوتية قد حسب له حساب متعارف عليه عند أهل ذلك الفن، فعندئذ يصح أن يوصف بأنه غناء، وأما لو خلا عن ذلك الوصف ولم يحصل على ذلك الترجيع المرتب بطريقة معينة متعارف عليها فحسب الظاهر أن العرف العربي لا يساعد على تسميته غناءً، فقد ورد عن زين العابدين عليه السلام أنه كان إذا قرأ القرآن صباحاً ومر السقاؤون حول بيته جذبهم صوته فوقفوا عن عملهم ليستمعوا صوته لحُسن صوته، وقد قال الرضا عليه السلام إن علي بن الحسين عليه السلام كان إذا قرأ القرآن استوقف المارة بحسن صوته، وقال أحدهم: وما حال من يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يظهر للناس ما يحتملون.
فإذن لا يمكن أن نقول بأن قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله تسمى غناءً ولا قراءة علي بن الحسين عليه السلام تسمى غناءً، مع أنها تحتوي على الصوت الحسن الذي يستهوي النفوس ويجذب القلوب، بل يعطل حركات الأجسام عن السير في مقاصدها، ولكن لما كان لا يحتوي على تلك الترجيعات المرتبة على النحو المعين المتعارف عليه لا يدخل تحت مفهوم الغناء، ولا يسمى غناءً، ولا تنطبق عليه أحكامه، فهذا القيد إنما هو لإخراج هذا المعنى، [من شأنه إيجاد الطرب]، ولم نقل المطرب، لأنه لا يشترط في الغناء أن يكون مطرباً بالفعل وإنما يطرب بالتكرار، فأصوات المغنين ونغماتهم مختلفة في قوة التأثير في النفوس، ومنها ما هو قوي التأثير في النفوس جداً بحيث تحدث تلك الخفة في نفس السامع بمجرد قراءة بيت أو بيتين أو قراءة آية أو آيتين أو كلمة أو كلمتين، ومن تلك الأصوات وتلك النغمات ما لا يؤثر في سامعه إلا بعد قراءة شيء كثير من الأشعار أو الكلام المتغنى به، وكذلك السامعون يختلفون في الرقة والحماسة واللطافة والخشوع بدرجات متفاوتة، فمنهم من ينفعل ويطرب ببيت واحد، ومنهم من لا ينفعل ولا يطرب إلا بعد سماع قصائد وأشعار كثيرة.
فإذن لا يشترط في الغناء أن يكون مطرباً في الفعل، وإنما له شأنية إيجاد الطرب، فما كان حاوياً على هذه الأوصاف ومن شأنه إيجاد الخفة في نفس السامع، فلا شك أنه يسمى غناءً، وأما لو لم يكن من شأن ذلك الكلام الموزون إيجاد تلك الخفة، أي ليس من شأنه إيجاد الطرب، فإنه لا يسمى غناءً.
وعلى أي حال فإن المعول في هذا أي فيما يسمى غناءً وما لا يسمى غناءً إنما هو على العرف العربي، يعني إطلاق العرب لتلك اللفظة، ولكن لما كنا بعيداً عن مقامات ذلك العرف ولسنا في تلك الأزمان صار لزاماً علينا أن ندرس تلك العناصر التي يلاحظها المستعمل العربي فيطلق تلك اللفظة على أساسها، وباستقراء تلك العناصر التي مرت في تعاريف علماء اللغة في مختلف كتبهم ومجاميعهم وقراطيسهم صغنا هذا التعريف للغناء وقلنا بأنه: [صوت الإنسان الحسن المشتمل على الترجيع المتعارف عليه ومن شأنه إيجاد الطرب]، فإذا كانت هذه العناصر مجتمعة تنطبق على شيء فعندئذٍ يسمى ذلك القول غناءً، ولا فرق في ذلك بين أن يكون شعراً غزلياً أو يكون في مدح النبي صلى الله عليه وآله أو أحد الأئمة، أو في رثاء ميت أو مظلوم، أو نبي أو إمام، أو يكون دعاءً أو قرآنا، ولا فرق بين أن يكون في الوعظ والتزهيد والترغيب في الآخرة والترهيب من النار والدعوة إلى الجنة وبين غيرها من الحالات، فكلما توافرت هذه العناصر التي ذكرناها في كلام فهذا الكلام يسمى غناءً، وما لم تتوافر هذه العناصر في كلام أي اختل وجود هذه العناصر في كلام ما فإنه لا يسمى غناءً، ولا فرق بين أن يصاحب هذا الكلام المحتوي على هذه العناصر آلات اللهو كالمعازف والدفوف والطبول والعيدان وغيرها من الآلات القديمة والحديثة والمزامير أو أن لا يصاحبه شيء، فإن الاعتبار في معنى الغناء هو بالصوت الإنساني لا بآلات اللهو، فإن حكم آلات اللهو منفرد عن الغناء، وإنما البحث هنا في خصوص أحكام الغناء، فإذن لا فرق في إطلاق الغناء عليه سواء صاحبته هذه الآلات أو لم تصاحبه هذه الآلات، وعندئذٍ فإن الفتاوى الشرعية المترتبة على معنى الغناء لا فرق في انطباقها على هذا القول بمصاحبة آلات اللهو أو عدم مصاحبة آلات اللهو، ولا فرق في موضوع ذلك الكلام مطلقاً، ولا فرق في مورده، نعم ربما لو صاحبته آلات اللهو يكون له أحكام زائدة على مجرد الغناء وذلك لوجود أو مصاحبة آلات اللهو له، ولا شك أن الفقهاء الإمامية يتفقون تماماً من دون خلاف بينهم على أن الغناء مطلقاً سواء كان معناه حقاً أو باطلاً وسواء صاحبته هذه الآلات أو لم تصاحبه حرام، بغض النظر عن معناه، فما انطبق عليه لفظ الغناء فمتفقٌ على تحريمه عندهم، ولا فرق بين أن يحصل فيه محرمٌ من خارج كما لو استلزم أن يختلط فيه الرجال والنساء أو لم يستلزم محرماً من خارج، كما لو كان لا يختلط فيه الرجال والنساء، هم متفقون على أن الغناء بأي طريقة كان محرمٌ في الشريعة الإسلامية.
وقد وردت في حرمة الغناء عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الأئمة المعصومين عليه السلام أحاديث كثيرة مستفيضة إن لم تكن متواترة في المعنى، وهذه الأحاديث على طوائف مختلفة، فالطائفة الأولى هي الواردة في تفسير قوله تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)[2]، "فعن زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)[3]، قال: قول الزور الغناء"[4]. "وعن أبي الصباح عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)[5]، قال: الغناء". "وفي حديث ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)[6]، قال: الزور الغناء".
ولا شك أن معنى الزور في اللغة الذي فسر به الإمام عليه السلام هذه الآيات وخاصة آية: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)[7] فسر الزور بالغناء، الزور في اللغة معناه الميل والكذب هو الباطل، والغناء قد لا يكون كذباً ولا ميلاً ولا باطلاً، فالشعر الذي يتغنى به في مدح سيد المرسلين صلى الله عليه وآله معناه ليس باطلاً، وكذلك الشعر الذي يتغنى به وهو في مدح أحد الأئمة - صلوات الله وسلامه عليهم – معناه ليس باطلا، وكذلك الشعر الذي يتغنى به وهو في وصف الجنة والترغيب فيها أو في الحث على الجهاد في سبيل الله وغير ذلك، هذا أيضا معناه ليس باطلا، بل القرآن ذاته إذا تغني به فهذا الصوت مدلول به على معانٍ نازلة من السماء فإذن لا يكون معناه باطلا، ولكن الإمام عليه السلام وصفه بأنه زور وذلك لأن هذه الهيئة الصوتية الخاصة المعروفة بين الناس باسم الغناء هي في حد ذاتها باطل، بغض النظر عن مدلولها، وبغض النظر عن المعنى التي تضمنته تلك الهيئة الصوتية، فهذه الهيئة الصوتية لما كانت ممنوعة من الله سبحانه وتعالى غير مرضية منه ولا مقبولة لديه، فعندئذ تكون زورا وتكون ميلاً وباطلاً وكذبا، فلا ينظر عندئذ في المعنى المدلول بها عليه، ولا عبرة بذلك المعنى المدلول بها عليه، بل تكون باطلاً وتكون زورا وتكون ميلا.
ولما كان الأمر هنا للوجوب على الأقل لو لم نقل بأن صيغة الأمر تدل على الوجوب على الأقل لاقترانها بقوله تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)[8] فإن المقام يقتضي القول بوجوب اجتناب تلك الهيئة الصوتية، فعندئذ تكون حراماً و لفظ الاجتناب أوسع من الاستعمال فكل شيء يتعلق بها يجب اجتنابه، سواء قوله أو تعليمه أو تعلمه أو الاستئجار عليه أو استماعه؛ ولو من جانب لأن لفظ الاجتناب أوسع من لفظ التحريم.
ومن طوائف هذه الروايات الواردة في المقام، طائفة من الروايات الواردة في تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)[9]، "فعن محمد بن مسلم الثقفي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: سمعته يقول: الغناء مما وعد الله عز وجل عليه النار، وتلا هذه الآية: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)[10]"[11]، وعن عمران بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام: "قال: سمعته يقول: الغناء مما قال الله عز وجل: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)[12]"[13].
ومن هذه الآية بمعونة هذه الروايات نفهم عدة أمور، وحتى تكون عندنا قرائن كثيرة حول دلالة هذه الآية، لابد أن نعرف سبب نزولها، خاصة وأنها عللت فقالت: "ليضل"، هذه نزلت في رجل من أهل الجاهلية عندما اشتد الصراع بين المشركين وبين المسلمين حول الهجرة، هذا الرجل أخذ يسافر إلى فارس ويشتري أخبار الدولة الفارسية والرومانية ويأتي بها إلى مكة فيبيعها على الناس، فيلتهون بقراءتها عن الكلام في الرسالة وما جرى وما قال وما يقال، يعني تماماً كالصحف التي تصدر اليوم ويشتريها الناس حتى يلهوا بها عن كل ما يدور حولهم، وعن أحكام دينهم وغيرها، فهو يسافر إلى فارس ويشتري منهم أخبار الفرس وأخبار الروم ويأتي إلى مكة يبيعها، حتى يلهي الناس بطريقة لطيفة ويكسب المال، ويحارب الإسلام من جهة بأن يدع الناس يتناقشون، ماذا قال كسرى وماذا قال قيصر، والنتيجة أنهم التهوا عن الحركة التي يقوم بها النبي صلى الله عليه وآله في مكة ولا يناقشون هذه الموضوعات التي يأتي بها النبي صلى الله عليه وآله ولا يستمعون القرآن لأنهم لاهون بهذه الروايات، ومن ناحية ثانية يكسب المال، فهذه الآية في الحقيقة أصل نزولها في هذا الموضوع، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً)[14]، فهل نستطيع أن نفهم من ذلك أنه إذا كان الغناء يلهي عن ذكر الله ويلهي عن سبيل الله يكون حراماً وإذا كان لا يغني عن ذكر الله أو لا يلهي عن سبيل الله فلا يكون حراماً باعتبار اتخاذ موضوع النزول، لأن هذا هو مورد النزول، وأنه لابد أن يشتريه الإنسان كشراء الأشرطة والقينات وغيرها، أم لا، أي أن مورد النزول لا يكون حاكماً في هذا المورد، وإنما الحكم لعموم اللفظ وإطلاقه وأن الأئمة عليه السلام حيث حملوا هذه اللفظة على الغناء فعندئذ لا نتقيد بمورد النزول؟
هذا الكلام وتفصيلاته وتتمة الروايات الواردة في تفسير هذه الآية نستعرضها في الأسبوع القادم إن شاء الله.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
* محاضرة للشيخ سليمان المدني في 25 ربيع الثاني 1408هـ المصادف 17/12/1987م بجدحفص
................................................
[1] - وقع سقط بسبب وجود فراغ صغير في الشريط المنقول عنه
[2] - الحج: من الآية30
[3] - الحج: من الآية30
[4] - وسائل الشيعة، الإسلامية – ج12 – ص225 – الحر العاملي
[5] - الفرقان: من الآية72
[6] - الحج: من الآية30
[7] - الحج: من الآية30
[8] - الحج: من الآية30
[9] - لقمان: 6
[10] - لقمان: 6
[11] - الكافي – ج6 – ص431 – الشيخ الكليني
[12] - لقمان: من الآية6
[13] - الكافي – ج6 – ص431 – الشيخ الكليني
[14] - لقمان: من الآية6