خطيبٌ ألمعيٌ مفوّه، صاحب مبدأ ورسالة وهدف، شكّل مدرسة خطابيّة فريدة، وخاض تجربةً متميزة في عالم المنبر الحسيني.
ينتقي موضوعاته المنبريّة بكلّ رصانة وإتقان، ويتصرّف بالمفردات والكلمات تصرّف الخبير الحاذق، يهيمن على الفكرة هيمنة السلطان العسوف، ولا ينفك حتى يمرّرها سلسةً سيّابة عبر أسماع جماهيره المصغية لتسكن في عقولهم وتشتمل عليها قلوبهم دون اختيار.
حباه الله صوتًا كمزامير داود، وقيافةً متناسقةً يكتملُ بها دورُه الرّسالي الهادف.
إذا ولجَ مصيبة سيّد الشهداء ع، أبكى العيون، وأوجل القلوب، وأجرى المدامع كقطر السّماء.
يستدعي مخيلتي حين استماعه قول الشاعر:
أحرّ مـن دمـعة شيعـيّةٍ
تبكي عليَّ بن أبي طالبِ
يتفنّن في نعيه المشجي بما يعرف عند مختصي الخطابة الحسينيّة "بطَورِ الدّشت".
تأثرتُ به فيمن تأثرتُ به من عملاقة المنبر وفرسانه من الرّعيل الأول من الخطباء.
وانفتحت مسامعي على تسجيلاته في المكتبة الصوتيّة للمرحوم والدي، فقد كان من محبيه وعُشّاقه والمترنيمن بطريقته، وأسلوب وطرائق أشقائه الأفذاذ من أجلّة فرسان المنبر كالأستاذين الكبيرين المرحومين الوائلي والسيّد الآغائي.
وعشتُ في حيّ يعشق شخصيته، ويستحضر مآثره ونوادره وحكاياه، فقد كان خطيب مأتمنا "مأتم المرحوم حسن محمود" لأعوام طويلة، وصاحب رجالات أُسرتهم المُقدّم العزيز.
إنّه الخطيب الشيخ عبد الوهاب الكاشي النّجفي ره.
تلك سطورٌ رأيت قلمي يلحّ عليّ بكتابتها في ذكرى رحيله في العاشر من ابريل عام1997م
لعلّ ذلك يكون وفاء لبعض حقّه، فرحمه الله رحمة أبراره، وحشره في كوكبة خدمة ريحانة رسول الله ص.
عمّار الشّهاب
10/4/2019