المقالة الأولى:
ظاهرةٌ تنتظر أكثر من تفسيرٍ وتحليل وهي وإنْ كانت موجودةً في جميع البشر بشتّى توجُّهاتهم وعند جميع المسلمين بمختلف مذاهبهم وفي داخل كلّ مذهب.. ولكنّها عندنا نحن الشيعة هي موضوع هذه الاشارة...
فما هي تلك الظاهرة؟
إنّها ظاهرة البناء والتشييد والهدم والتخريب وإعادة تدوير التمزيق!!
بمعنى أنّ فئةً تبني وتشيّد وفئةً من نفس المذهب، بل ونفس الذين بنوا وشيّدوا يهدمون ويخرّبون...
فترى جماعةً كبيرة أو مجموعةً صغيرة يُتعِبون أنفسهم في انجاز مشروع ويحقّقون فيه مكاسب وإذا بجماعة أو مجموعة أخرى يشكّـكون الناس في هذا المشروع ويتهمون الذين عملوا فيه.. وتأتي جماعة أو مجموعة يفعلون بهؤلاء ما فعلوا بأولئك وجماعة أو مجموعة ثالثة ورابعة وهكذا والحبل على الجرّار.. بحيث لو تقف على مرتفع وتنظر إليهم من الأعلى تُذكِّرك حالتُهم بالأطفال الذين يتراشقون على بعضهم البعض من كلّ جانب.. فالضارب مضروبٌ والمضروب ضارب والخبصة قائمة على نحو ما يَعبَّر عنه: اختلط الحابل بالنابل!!
هذه الظاهرة الخارجة عن التنافس الإيجابي والفاقدة لوَرَع الاختلاف ما هي إلا خلطة عَفِنة تتكوّن عناصرها مِن تتبُّع العثرات والتصيُّد في وَحْل الغيبة والبهتان ومِن هواية التسقيط بدافع الجهل، والتكبُّر، والحقد، والحسد.. هي بؤرةٌ من الرذائل ومستنقعٌ من المعاصي.. وقد ابتلع مَن كانوا أصدقاء الأمس فأصبحوا أعداءً بدرجة الامتياز.. وسقط فيه أرحامٌ فتحوّلوا إلى أشدّاء على بعضهم بعد أن كان يجمعهم "زادُ ومِلْح"!!
وأخبث ما يكون في هذه الظاهرة إذا كان فيها عالمٌ أو مثقّفٌ أو رجالٌ لهم مكانتهم بين الناس.. فبينما يجب أن يكونوا أسوةً في الإصلاح يتراشقون علنًا أو يقودون المتراشقين سرًّا بالسّيْر على خلافٍ صريحٍ للآية: (وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّتِی نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَـٰثࣰا تَتَّخِذُونَ أَیۡمَـٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَیۡنَكُمۡ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرۡبَىٰ مِنۡ أُمَّةٍۚ إِنَّمَا یَبۡلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِۦۚ وَلَیُبَیِّنَنَّ لَكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ).. والأنكى إذا سمعتَهم يتكلّمون عن الوحدة، والأخوّة، والتسامح، والتعاون!!
هذه الظاهرة ليست جديدة، بل كانت منذ رَحَلَ النبيُّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) عندما بدأ جَمْعٌ مِن الصحابة ضدّ بعضهم البعض عمليّاتِ الهدم والتخريب.. واستمرّتْ في شرذمة من أصحاب الإمام علي (عليه السلام) فظهرتْ فتنةُ الخوارج.. واستمرّتْ في أكثر أصحاب الإمام الحسن (عليه السلام) فاشتراهم معاوية ليلًا وانضمّوا إليه صباحًا.. واستمرّتْ في عددٍ من أصحاب بقيّة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) حيث مزّقوا بعضهم البعض فبرزتِ الفِرَقُ الضالّة كالواقفيّة الذين توقّفوا عند الإمام الكاظم (عليه السلام) ولم يؤمنوا بإمامة ابنه الإمام الرضا (عليه السلام).. ووصلتْ هذه الظاهرة إلى حفنةٍ مِن الذين لم يؤمنوا بالإمام المهدي (أرواحنا فداه) ثم إلى مَن آمَنَ به ولم يؤمن بنوّابه وهو العالم الملقّب بالشّلْمَغاني الذي سقط في حُبّ الأنا بعد أن كان من أصحاب المهدي وأبيه العسكري (عليهما السلام).. فكما سقط بلعم بن باعورا في الإمتحان سقط هذا أيضًا عندما لم يُعْطِه الإمام (عليه السلام) منصب النيابة عنه وأعطاها لحسين بن روح (رضوان الله عليه)...
فظاهرة الهدم والتخريب ليست جديدة.. وتقف وراءها الأسباب المذكورة والتي تعود إلى سبب واحد هو انعدام التقوى الحقيقيّة ما يعني أنّ العلم لوحده لا يكفي...
هؤلاء المكشوفون عند أئمّتنا الأطهار (عليهم السلام) يقول عنهم الإمام الصادق (عليه السلام): {لاَ يَغُرَّنَّكَ بُكَاؤُهُمْ إِنَّمَا التَّقْوَى فِي الْقَلْبِ} ويا ليتنا مثل أئمّتنا نكتشفهم قبل أن يغرّنا ظاهرُهم فنقع في فخّهم ثم من الصعب الخروج من باب التوبة!!
هذا.. وإنّ لهذه الظاهرة السلبية دلالةً ايجابيّة وهي أنّ مذهبًا بقوّة التشيّع لمحمد وآل محمد (صلوات الله عليه وآله) ويكون بعض أتباعه بهذه الحالة من الاحتراب الداخلي لا يكون إلا مكفولَ البقاء من يدٍ في الغيب.. إذ لولاها لكان هذا المذهب منقرضًا منذ قرون وعلى أيدي المتراشقين مِن داخله!!!!
فهذه الظاهرة الموجِعة تدلّ وبيقينٍ تامّ أنّ الذي حافظ ويحافظ على مذهب التشيّع هو إمامه الغائب الذي يديره من خلف الأستار ويختبر أتباعه بِفِتَن أنفسهم...
ذلك لأنّ مذهبًا يعاني في داخله من أتباعٍ يبنون ويهدمون ويعاني في خارجه من أعداء لا يستريحون لا يمكن أن يصمد ويتوسّع في فتوحاته الفكريّة وكسبه أنصارًا جدد عالميًّا إلا ويدٌ من الغيب تقوده وترعاه في كلّ زمان وهو صاحبُه...
أعود من حيث بدأتُ فأقول:
أرجو من جميع التسقيطييّن أن لا يذهب عن بالهم بأنّ الجميع لا يخلو من نواقص وعيوب وأخطاء.. فهل يأمن من غيره أن لا يردّ عليه بالمثل.. فلماذا هذه الزوبعة والدوران فيها؟!
إذَا شئْتَ أنْ تَحْيا ودينُك سالِـمٌ
وحَظُّـك مَوْفورٌ وعِرضُك صيِّـنُ
لِسانَـك لا تَذكُـرْ بهِ عَـوْرةَ امْـرِئٍ
فَـعِندَك عَوْراتٌ وللـنَّـاسِ ألـسُـنُ
وعَيْنُك إنْ أبدَتْ إليْكَ مَـعـايِـبًـا
لِقومٍ فَقُلْ: يا عَيْنُ للـنَّاسِ أعْـيُنُ
وصاحِبْ بِمَعروفٍ وجانِبْ مَنِ اعْتَدى
وفارِقْ ولكِنْ بِالّتي هِـيَ أحـسَـنُ
فإنْ لم يستفقْ التسقيطيّون بهذا الشعر الحكيم أخشى أن يكون قد قصدهم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بقوله: {مَن آذىٰ مُؤمِناً ولَو بِشَطرِ كَلِمَة، جاءَ يَومَ القِيامَةِ مَكتوبٌ بَينَ عَيْنَيهِ آيِساً مِن رَحمَةِ اللّٰه ...}.
ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.
المقالة الثانية:
قلت في المقالة السابقة أنّ بقاء مذهب أهل بيت الرسول الأعظم (صلوات الله وسلامه عليه وعليهم) وانتشاره على مدى قرون من بعد رحيله (صلى الله عليه وآله) على رغم الخلافات بين شيعتهم غالبًا وعلى الرّغم من ضربات أعدائهم في تلك القرون وإلى زماننا.. هذا البقاء المُدهِش يكفي دليلًا على وجود الإمام المهديّ المنتظر (عليه السلام) الذي يحافظ على المذهب بأساليبه الخاصة وإلا فالمفروض كان مندثرًا منذ تلك الأزمنة المنقرضة!!
أتساءل: وهل توجد أدلة أخرى غير هذا الدليل العَصيّ على مُنكِري وجوده (عليه السلام)؟
نعم.. هناك الكثير من الأدلة القرآنيّة ومن أحاديث متواترة عند العترة الطاهرة وعند إخواننا أهل السنّة وهناك الكثير من قصص الفقهاء الذين لا يمكن تكذيبهم وهم قمّةٌ في الورع.. ولكنّي سأشير إلى دليل من غير هذه الأدلة المعتبرة.. ألا وهو دليل العقل السليم إذ يرفض القولَ بأنّ المسلمين الشيعة منذ رحيل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وهو الإمام الحادي عشر عاشوا إلى زماننا بلا إمام من أهل البيت (عليهم السلام).
فهذا خلافُ عَدْل الله الذي كان يجعل منذ أبينا آدم (عليه السلام) وفي كلّ زمان رسولًا أو نبيًّا أو وصيًّا يبيّن لأهل زمانه أحكام دينه القيِّم ويجيب على أسئلتهم المستحدثة.. ثم يترك الناس الذين جاؤوا خلال قرون ما بعد الإمام العسكري (عليه السلام) بلا وصيّ ولا نائب وصيّ إلى هذا الزمان؟!
ليس معقولًا هذا ولا ينسجم مع العدل الذي نؤمن به في ربّنا عزّ وجل كأصلٍ من أصول ديننا وعدالتُه أزليّة مستمرّة.. تقتضي تعيين الإمام لزماننا أيضًا.. وإلا اختلّتْ عدالتُه (والعياذ بالله) فجاز أن يقول أهلُ هذه الأزمنة لِمَ لَمْ يجعل الله لنا إمامًا كما جعل لِمَن قَبْلنا؟!!
فدليل العقل هنا يتداخل مع دليل القرآن هذا: (وَلِكُلِّ أُمَّةࣲ رَّسُولࣱۖ فَإِذَا جَاۤءَ رَسُولُهُمۡ قُضِیَ بَیۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ) ويندمج مع دليل العترة حيث روى الإمام جعفر الصادق عن آبائه عن جدّه رسول الله (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين) أنّه قال: {القائِمُ مِنْ وُلْدِي اسْمُهُ اسْمِي، وكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي، وَشَمائِلُهُ شَمائِلي، وَسُنَّتُهُ سُنَّتِي، يُقِيمُ النّاسَ عَلى مِلَّتِي وَشَريعَتي، وَيَدْعُوهُمْ إلى كِتابِ رَبّي (عزَّ وجلَّ)، مَنْ أَطاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَاهُ فَقَدْ عَصَاني، وَمَنْ أَنْكَرَهُ في غَيْبَتِهِ فَقَدْ أَنْكَرَني، وَمَنْ كَذَّبَهُ فَقَدْ كَذَّبَني، وَمَنْ صَدَّقَهُ فَقَدْ صَدَّقَني، إِلى اللهِ أَشْكُو المُكَذِّبينَ لِي فِي أَمْرِهِ، وَالجَاحِدينَ لِقَوْلي في شَأْنِهِ، وَالمُضلِّينَ لأمَّتي عَنْ طَرِيقَتِه، وَسَيَعْلَمُ الذينَ ظَلَمْوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.
وأمّا تشكيك الجاهلين حول عُمْر الإمام المهدي (أرواحنا فداه) فإنّي أحيل جوابَهم إلى النبيّ نوح (الذي عاش 2500 سنة) والعبد الصالح الخِضْر الذي لا يزال حيًا والنبيّ عيسى الذي لا يزال حيًا (عليهم السلام).. وإلى الأدلة العلميّة الحديثة في الطبّ الغذائي حول إمكانيّة طول العمر بأكثر من ألف سنة.. وليس ذلك على الله بعسيرٍ أبدًا؟!
المقالة الثالثة:
أسئلة هنا وأجوبة...
- س: ماذا تعني لك ذكرى النصف من شهر شعبان؟
هي ذكرى مولد الإمام المهدي (عليه السلام).. مولاي وسيّدي وهو عنوان سعادتي في دنياي وآخرتي.
- س: بماذا تذكِّرك هذه الذكرى؟
تذكّرني برسالة صاحبها في سَحْق الظلم العالمي ونَشْر العدل العالمي.
- س: أين ترى محلّك من هذه الرسالة العظيمة وكيف تتفاعل معها؟
محلّي منها أن أهتمّ بتربية نفسي علميًّا، وعباديًّا، وأخلاقيًّا، وصحّيًا.. فلا أكون جاهلًا ولا كسولًا في العبادة ولا سيّء الأخلاق ولا متهاونًا في صحّتي.. لأنّ حماة هذه الرسالة والمبلّغين لها والمدافعين عنها.. لا يمكنهم القيام بهذا الواجب من دون تربية النفس بتلك المعايير.
- س: هل لوصولك إلى هذا المستوى شروط؟
نعم.. من شروطه أن أعرف مقام هذا الإمام المنقذ الموعود.. وأقرأ عن مشروعه القادم قراءةً شاملةً لأكثر أبعاده.. وأن أذكُره في قلبي وأدعو له بلساني وأهدي إليه ثواب أعمالي وأنتظر ظهوره وأنا في حال الزيادة مِن كلّ فعلٍ يُدخِل عليه السرور.. ويكون رجائي الحثيث أن يقبلني واحدًا من أصحابه الخُلّص الـ (٣١٣)...
- س: كيف يمكنك بلوغ هذا الهدف المقدّس جدًّا؟
بالتركيز على نفس هذه الشروط وعيني على رضا الله المتمثّل في طاعة وليّه الذي مهّد لدولته الكريمة بجميع الذين بَعَثَهُم وأرسلهم من الأنبياء والرسل وحتى الأوصياء.. إنّه أمل السابقين ومُنْية الحاضرين ومحبوب اللاحقين حيث يرون خيره لأوّل مرّة في العالم.
- س: في رأيك ما هو الشيء الذي يبعد الإنسان عن هذا الهدف المهدويّ السامي؟
ارتكاب المعصية.. ولا يرتكبها إلا مَن يجهل إمامَ زمانه ممن حَلَتِ الدنيا في أعينهم وعشعش في قلوبهم حُبّ الراحة واللهث وراء الشهوات.
- س: هل تعطيني صورةً عن حياة البشريّة في زمن الإمام المهدي (عليه السلام)؟
على الصعيد العلمي: تكتمل عقولُ البشر لتستوعب مختلف العلوم.. وبالتالي تتوسّع على أثرها جميع أنواع الصناعات النافعة للحياة الهانئة والآمنة.. وعلى الصعيد الإيماني: سيؤمن أكثر البشر بدين الإسلام المهدوي.. وعلى الصعيد الاقتصادي: ستخضرّ الأرض بمنتوجها الزراعي.. ويكثر المال في أيدي الناس بحيث لا يوجد فقير ولا محتاج.. وعلى الصعيد السياسي: ستحكم العدالة جميع نواحي الدول التابعة لإدارة المهدي من آل محمد.. وعلى الصعيد الأمني: سوف لا يخشى البشر من أي خطر لا في الحَضَر ولا في السفر.. وعلى الصعيد الأخلاقي: ترتقي الناس في سلوكها الحَسَن وعلاقاتها الطيّبة.. وعلى الصعيد المعيشي: لا يبقى إنسان بلا مأوى ولا سكن...
- س: هل يعني كلامك هذا أنّ الحروب والجرائم ستنتهي من حياة البشر في ظلّ دولته الكريمة؟
نعم.. ستنتهي بانتهاء مبرّراتها.. لأنّ الحروب إنّما تندلع والجرائم تُرتَكب بسبب الجهل والاستبداد والظلم ورغبة أهل الدنيا في السيطرة على الثروات والانغماس في الشهوات.. فإذا قَلَعَ الإمامُ المهدي هذه المبرّرات بقوّته وشجاعته وحكمته وتحرّرتِ الشعوب من طواغيت الأرض فسوف لا يبقى ما يدفع إلى المواجهات.
- س: هل لديك نصيحة في الخاتمة؟
أن يحترم الشباب والشابات مشاعر الإمام (روحي فداه) فإنّه يرى ما يسرّه من تقوى القلوب في العمل الصالح ويرى ما يؤذيه مِن تصرّفات غير لائقةٍ بِمَن يحملون عنوان الانتماء إليه (صلوات الله عليه)...
فليسألوا أنفسهم لو أمَر الله وليَّه الإمام بالظهور الآن مثلًا.. كيف يجب أن يكونوا مسبقًا لئلا يكونوا كالشيعة الخائبين في زمن آبائه وأجداده؟!
إنّ الإجابة على هذا السؤال تصنع قرار التغيير عند صاحب الحبّ الحقيقي لإمام زمانه.. فليسأل كلّ واحد منّا حُبَّه لابن " عليّ والزهراء " مِن أيّ نوعٍ حُبَّه الذي يحمله له أرواحنا لتراب مُقدَمه الفداء...؟!
المقالة الرابعة:
وُلِدَ المهديُّ مِن آل محمّد (صلوات الله عليهم أجمعين) في الـ (١٥) من شهر شعبان سنة (٢٥٥) الهجريّة.. وإلى هذا اليوم (١٥) شهر شعبان سنة (١٤٤٥) الهجريّة واحتفالات الشيعة مستمرّة في هذه الذكرى المباركة ومتكاثرة على الصعيد العالمي أينما كانوا وحتى في بيوتهم وفي الزُّقاق الضيًّقة للقرى والأرياف...
فلو اعتبرنا اليوم عدد الشيعة في العالم نصف مليار إنسان حسب بعض الإحصاءات.. وقد احتفلوا (١١٩٠) مرّةً في كلّ سنة وهم في تزايُد سوف تعلن أجهزة الحاسوب عجزها الأكيد عن بيان عدد الاحتفالات المُقامة على وجه الأرض طيلة هذه القرون!!
سؤالي هنا: هل حقّقتْ هذه الاحتفالات غاياتها المطلوبة من الشيعة؟
الجواب: نعم.. حقّقتْ منها بنسبة (٥٠ %) تقريبًا في إطار الفوائد المعلوماتيّة والعاطفيّة الثلاثة التالية:
١/ التعريف بشخصيّة الإمام المهدي (عليه السلام).
٢/ دفع الشبهات التي يثيرها المخالفون.
٣/ زرع الولاء له (روحي فداه) وانتظار ظهوره بالحُبّ القلبي.
ولكن ماذا عن الـ (٥٠ %) الأخرى؟
إنّ المطلوب في الإجابة على هذا السؤال توجيه الشيعة وخاصةً جيل الشباب إلى البناء العقائدي والتربوي في صياغة سلوكيّة ليكونوا على مستوى أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) الحقيقييّن في هذه الصفات الأساسيّة:
١/ الإخلاص في العبادة لله عزّ وجل بعد معرفته.. حتى يكون حُبُّ الصلاة والتلاوة والدعاء والمستحبّات جزءً من حياة الفرد فضلًا عن الواجبات...
٢/ معرفة مقام النبيّ محمد الأكرم والأئمّة المكرَّمين حقّ المعرفة.. بأنّهم فوق المخلوقين ودون الخالق العظيم.. وهم عباد الله وليس أكثر...
٣/ الالتزام بالأخلاق الحميدة في العلاقات كلّها.. وأفضلها ما كانت جذورها في التقوى وطِيبة النّفس...
٤/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأسلوب الحكيم.. وهما سُلّمانِ للإصلاح...
٥/ حُبّ الإمام المهدي (عليه السلام) بذكره في الدعاء وإهداء ثواب الأعمال الصالحة إليه وبدعوة الناس إليه وتجنُّب الأمور التي تحزنه...
٦/ بُغْض أعدائه وكُرْه المشاركة في عمل الفاسدين والظالمين بأيّ مقدار...
٧/ القراءة عن مشروعه في زمن الظهور لضرورة وعي المُحِبّ له لخارطة الطريق لديه إلى أهدافه العالميّة...
٨/ الإحساس القلبي بأنّه (عليه السلام) حاضر وأنّنا بمحضره وهو يريدنا أن نرتقي في مستوانا العلمي وكفاءتنا العمليّة.. فعلينا أن نعمل للبناء الذاتي بكلّ جِدٍّ واهتمام....
- وأخيرًا:
إنّي أعتقد لو اتّخذنا هذا القرار في (٥٠ %) الأخرى لاحتفالاتنا سوف نولد من جديد وسنقرّب ساعة ولادة الظهور الميمون.. فهل نستثمر ذكرى مولده الشريف لتحقيق رسالته الهادفة.. أم نواصل في اختزان المعلومات والتصفيق وأكل الحلاوة وتوزيع الأطعمة وتزيين المجالس والشوارع فقط؟!
أرى أنّ تَجاهُل الـ (٥٠ %) الأخرى في جانب التربية العمليّة هو السبب وراء مظاهر الجهل والسفاهة في ثوب المحبّة للمهدي صاحب الزمان.. ومنها ظهور النساء والبنات المزيّنات إلى الشوارع بذريعة أفراح المواليد.. ساعد الله قلبك سيّدي.. يابن الزهراء.
أرجو أن نعيد النظر في ثقافة إحياء المناسبات كي نصل إلى ما قال الله تعالى: (بَقِیَّتُ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَۚ وَمَاۤ أَنَا۠ عَلَیۡكُم بِحَفِیظࣲ).
نعم.. (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَۚ)!!!!!