بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّد وآلِه الطيبين الطاهرين.
تميَّز الشِّيعةُ الإماميَّةُ على مرِّ العصور بإكبارهم وإجلالهم للفقهاء، واتِّباعِهم لكلمتهم؛ لقول الإمام العسكري (عليه السَّلام): "فأمَّا من كان من الفقهاء صائنًا لنفسه، حافظًا لدينه، مخالفًا على هواه، مطيعًا لأمر مولاه، فللعوامِّ أنْ يقلِّدوه"[1]، وما ورد في التوقيع الشَّريف: "وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله عليهم"[2].
ثُمَّ إنَّ خلافًا ظهر بين أهل الطائفة المرحومة (أعزَّ الله كلمتهم) في تشخيص الفقيه الَّذي يُرجع إليه، ومِنْ هذا الخلاف تَطَرَّفَ فريقان تَطَرُّفَ ردَّ فِعْلٍ وانفعالٍ ضدَّ الآخر، فأحدهما ذهب إلى تقديس العلماء وتنزيه من يقول بفقاهته بما لا يليق بغير الإمام المعصوم (عليه السَّلام)، والآخر ساواهم بعامَّة النَّاس، بل وجعل يستنقص منهم قاصدًا عامدًا!
من نتائج مثل هذا التطرُّف أنْ تمسَّكَ فريقُ التَّسقيط بمثل ما ورد مِنْ أنَّ الإمام (عليه السَّلام) في ظهوره المبارك يقتل الآلاف من العلماء في النَّجف.
روى في دلائل الإمامة بسنده عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السَّلام)، قال: سألتُه؛ متى يقومُ قائِمُكُم؟
قال (عليه السَّلام): يا أبا الجارود، لا تُدْرِكُونَ.
فقلتُ: أهل زمانه.
فقال (عليه السَّلام): ولن تُدرك أهلَ زَمَانِهِ، يقوم قائمًا بالحقِّ بعد إياسٍ من الشِّيعَةِ، يدعو النَّاس ثَلَاثًا فلا يُجيبُهُ أحَدٌ، فَإذا كان اليوم الرَّابع تعلَّق بأستار الكعبة، فَقَالَ: يَا رَبِّ انصُرنِي. ودعوتُه لَا تَسْقُطُ. فَيَقُول (تَبَارَكَ وتَعَالَى) للملائكة الَّذين نصروا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يوم بدر، ولم يَحُطُّوا سُرُوجَهم، ولم يضعوا أسلِحَتَهم فَيُبَايعونه، ثُمَّ يُبايعه مِنَ النَّاس ثَلَاثُمِئة وثلاثة عشر رجلًا".
إلى أن قال (عليه السَّلام): "ويسير إلى الكوفة، فَيخرج منها ستَّة عشر ألفًا من البتريَّة، شَاكِّين في السِّلاح، قُرَّاء القُرآنِ، فقهاء في الدِّين، قد قَرَّحُوا جباههم، وشمَّروا ثيابهم، وعمَّهم النِّفاقُ، وكُلُّهم يَقُولون: يا بنَ فَاطِمة ارجعْ؛ لا حاجة لنا فيك!
فيضع السَّيفَ فيهم على ظَهْرِ النَّجَفِ عشيَّة الاثنين من العصر إلى العشاء، فيقتلهم أسرع من جزر جزور، فلا يفوتُ منهم رجلٌ، ولا يُصَابُ من أصحابه أحدٌ، دماؤهم قربان إلى الله. ثُمَّ يدخلُ الكوفةَ فيقتل مقاتليها حتَّى يرضى اللهُ (عزَّ وجلَّ)"[3].
وقال في الإرشاد: روى أبو الجارود، عن أبي جعفر (عليه السَّلام) في حديث طويل أنَّه: "إذا قام القائِمُ (عليه السَّلام) سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعةُ عشر ألف نَفْسٍ يُدْعَونَ البتريةِ عليهم السِّلاح، فيقولون له: ارجع من حيث جئت؛ فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السَّيفَ حتَّى يأتي على آخرهم، ويدخل الكوفة فيقتل بها كلَّ منافق مرتاب، ويهدم قصورها، ويقتل مقاتلتها حتَّى يرضى الله (عزَّ وعلا)"[4].
فيما يبني المقابِلُ على أنَّ للفقهاء العدول المستوفين للشرائط النيابة العامَّة للإمام (عليه السَّلام) في عصر الغيبة، وهو مقتضى الإحالة وثبوت الحجيَّة في قوله (عليه السَّلام): "وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله عليهم".
لا شكَّ في أنَّ الخروج عن الموضوعيَّة مدخلٌ لتضييع الصواب، ومِن عوامل الخروج عنها الاصطفافات المستعجلة والاستسلام للانفعالات النفسيَّة وردود الفعل الَّتي يُكَوِّنُهَا ضِيقُ النَّظر وحَرَجُ الصدور، وهذا ما جعلَ فريقًا يذهب إلى إقصاء مِثل رواية أبي الجارود، وآخرَ يحتضنها لتكون شعارًا له في حملاته ضد العلماء، والحقُّ بُعْدُ الفريقين عن الموضوعية.
مسؤولية تشخيص المصداق بعد إحراز مفاهيم الرواية وفقهها:
أوَّل الكلام في مقام الفقاهة:
في رواية الإمام العسكري (عليه السَّلام)، قال: "فأمَّا مَن كَانَ من الفقهاء صائنًا لنفسه، حافظًا لدينه، مخالفًا على هواه، مطيعًا لأمر مولاه، فَلِلعَوامِّ أنْ يُقلِّدُوه، وذلك لا يكون إلَّا بعض فقهاء الشِّيعة لا جميعهم، فإنَّه من ركب من القبايح والفواحش مراكب فسقة العامَّة فلا تقبلوا منَّا عنه شيئًا، ولا كرامة".
وعقَّب (عليه السَّلام) بقوله: "وإنَّما كَثُرَ التَّخليط فيما يُتَحَمَّلُ عنَّا أهل البيتِ لِذلِكَ لِأنَّ الفَسَقَةَ يَتَحَمَّلُون عنَّا فَيُحرِّفُونَهُ بِأسْرِه بِجَهْلِهِم، وَيَضَعُونَ الأشيَاءَ على غير وجهها لِقِلَّةِ معرفتهم، وَآخَرُونَ يَتَعَمَّدُونَ الكذب علينا لِيَجُرُّوا مِنْ عَرضِ الدُّنيا مَا هُوَ زَادُهُم إلى نَارِ جَهَنَّم. ومنهم قَومٌ نُصَّابٌ لا يقدرون على القدح فينا، يَتَعلَّمُون بعضَ عُلُومِنَا الصَّحيحَةِ فَيَتَوجَّهُونَ بِه عِنْدَ شِيعَتِنَا، وَيَنْتَقِصُونَ بِنَا عِنْدَ نُصَّابِنَا، ثُمَّ يُضِيفُونَ إليه أضْعَافَ وَأضْعَافَ أضْعَافِهِ مِنَ الأكَاذِيبَ عَلينَا الَّتي نَحنُ براء منها، فَيَتَقبَّله المُسْتَسلِمُونَ من شيعتنا عَلى أنَّهُ مِن عُلُومِنَا، فَضَلُّوا وَأضَلُّوا. وَهُم أضَرُّ عَلى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا مِنْ جَيشِ يَزيِدَ عَلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ (عَليه السَّلَام) وأصحابه؛ فإنَّهم يَسلبُونَهُم الأرواحَ والأموالَ، وهؤلاءِ علماء السّوء النَّاصِبُونَ المُتَشَبِّهُونَ بِأنَّهُم لنَا مُوَالُونَ، وَلِأعْدَائِنَا مُعَادُونَ، ويُدْخِلُونَ الشَّكَّ والشُّبْهَةَ على ضُعَفَاءِ شِيعتِنَا فَيُضِلُّونَهم ويَمْنَعُونَهم عن قَصْدِ الحقِّ المُصيبِ. لا جَرَمَ أنَّ مَنْ عَلِمَ اللهُ مِنْ قَلْبِهِ مِنْ هَؤلاءِ القَومِ أنَّه لا يُريد إلَّا صيانة دينه وتعظيم وليه لَمْ يتركه في يد هذا المُتَلَبِّسِ الكافر، وَلَكِنَّه يُقَيِّضُ له مؤمنًا يقفُ به على الصَّواب، ثُمَّ يُوفِّقه اللهُ للقبُول منه، فَيجمع اللهُ له بذلك خيرَ الدُّنيا والآخرة، ويجمع على من أضلَّه لعنًا في الدُّنيا وعذاب الآخرة.
ثُمَّ قال: قال رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله): أشرارُ عُلَمَاء أمَّتِنا المُضِلُّون عنَّا، القَاطعون للطرُقِ إلينا، المُسَمُّون أضدَادِنَا بأسمائنا، المُلَقِّبُون أضدادِنَا بألقَابِنَا، يُصَلُّونَ عليهم وهم لِلَّعْنِ مُسْتَحقُّون، وَيَلعَنُونَا ونحن بكرامات الله مَغْمُورُون، وَبِصَلواتِ الله وصَلَواتِ مَلائِكَتِهِ المُقَرَّبين عَلَينَا عَن صَلَواتِهم عَلَينَا مُسْتَغنُون.
ثُمَّ قال: قيل لأمير المؤمنين (عليه السَّلام): مَن خَيرُ خَلْقِ الله بعد أئمة الهدى، ومصابيح الدُّجى؟ قال: العُلَماء إذا صلحوا. قيل: فَمَن شِرَارُ خَلْقِ الله بعد إبليس، وفرعون، ونمرود، وبعد المُتَسَّمين بأسمائكم، والمُتَلَقِّبين بألقابكم، والآخذين لِأمْكِنَتِكُم، والمُتَأمِّرِين في مَمَالِكِكُم؟ قال: العُلمَاءُ إذا فَسَدُوا، هُم المُظْهِرُوَن لِلأبَاطِيلِ، الكَاتِمُونَ لِلحَقَايق، وَفِيهم قال الله عَزَّ وَجَلَّ: (أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ... الآية)[5]"[6].
وفي معاني الأخبار بسنده عن إبراهيم الكرخي، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) أنَّه قال: "حَديثٌ تَدْريه خَيرٌ مِن ألفِ حَديثٍ تَرويه، وَلا يَكُونُ الرَّجُلُ مِنْكُم فَقِيهًا حَتَّى يَعْرِفَ مَعَاريِضَ كَلَامِنَا، وَإنَّ الكَلِمَةَ مِن كَلامِنَا لَتَنْصَرِفُ عَلَى سَبعينَ وَجْهًا لَنَا مِنْ جَميعِهَا المَخْرَجُ"[7].
فلِلفقاهةِ بُعدَان؛ أحدُهما التنزُّه عن كلِّ شائبةٍ تحيد بالعالِم عن سمت صيانة النَّفس، وحفظ الدين، والمخالفة على الهوى، وإطاعة أمر المولى، والآخر معرفة معاريض كلام أئمة الهدى (عليهم السَّلام)، فذاك لطهارة النَّفس، وهذا لقوَّة العلم ورسوخه.
ثُمَّ يظهر أنَّ عنوان الفقاهة مُردَّدٌ بين العام المعروف عند النَّاس، والخاص الَّذي له اعتباره وقيمته عند الأئمة الطاهرين (عليهم السَّلام)، وبضم المعاني إلى بعضها البعض نرى المنع من تقليد غير الفقيه بالمعنى الأخص؛ لقوله: " فَلِلعَوامِّ أنْ يُقلِّدُوه"، وتعقيبه بقوله: "وذلك لا يكون إلَّا بعض فقهاء الشِّيعة لا جميعهم".
فائدة: على فرض خروج القائم (عليه السَّلام) بالسَّيف ليعمله في ستَّة عشر ألفًا من الفقهاء فالمتعين خروج الفقهاء بالمعنى الأخص على نحو التخصُّص، وهم الَّذين أُذِنَ لعوامِّ الشِّيعة بتقليدهم.
تعيين البتريَّة وصفاتهم:
هناك من هو في واقع أمره وقرارة نفسه يعادي السَّيدة الزَّهراء فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها)، ومن يتولَّاه، أعني هذا المعادي، ويبرأ من عدوِّه يبرأ منها شاء أم أبى؛ لكونها (عليها السَّلام) كذلك، وفي مثل هؤلاء قال الإمام الباقر (عليه السَّلام): "بَتَرْتُم أمْرَنَا بَتَرَكُمُ اللهُ". فيومئذ سُمُّوا البَتْريَّة[8].
مِن مجموعة ما ورد في البترية نخلص إلى أنَّهم خلطوا ولاية أمير المؤمنين (عليه السَّلام) بولاية غيره[9]، والحال أنَّ نفس تولِّي أمير المؤمنين (عليه السَّلام) مُنتقضٌ بالقول بولاية غيره، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنَّ لازمَ البراءة من أعداء هذا الغير البراءة من أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، وهذا أمر ينبغي الالتفات إليه لكي لا يكون التسامحُ وروحُ التقارُبِ مُقدمةَ وجُودٍ لِبَتْرِ أمرهم (عليهم السَّلام) والعياذ بالله.
وكيف كان؛ فإنَّ الَّذين يُخْرِجُهُم (عليه السَّلام) بتريَّةٌ:
1/ شَاكِّين في السِّلاح. 2/ قُرَّاء القُرآنِ. 3/ فقهاء في الدِّين. 4/ قد قَرَّحُوا جباههم. 5/ وشمَّروا ثيابهم.
هذا ظاهرهم، وأمَّا في واقع باطنهم فالنِّفاقُ يعمُّهم، وكُلُّهم يَقُولون: يا بنَ فَاطِمة ارجعْ؛ لا حاجة لنا فيك. ما يكشف عن معرفتهم به (عليه السَّلام)، بل وكونهم أعداءَ له من قبل ظهوره المبارك. فتأمَّل.
فائدة: الظاهر من رواية أبي الجارود غلبة البتريَّة في تلك الناحية بين يدي ظهور الإمام المهدي (عليه السَّلام)، وبقاء السِّلاح بأيديهم لجهةٍ عقديَّةٍ عميقةٍ؛ لما ورد من صفتهم وظاهر تدينهم.
تنبيه مهم:
يُبتَلى الشِّيعةُ برؤوسِ الشياطين لا تفكر في غير إحداث الفِتن وإضلال العباد ومنع الائتلاف بين أيتام آل محمَّد (عليهم السَّلام)، وهؤلاء لن يهنأ لهم عيشٌ عند ظهور الإمام (عليه السَّلام)، ففي غيبة النُّعماني بسنده عن مالك بن ضمرة، قال: "قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): يا مالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اخْتَلفَتِ الشِّيعةُ هَكَذَا - وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض -؟
فقلتُ: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير؟
قال (عليه السَّلام): الخيرُ كُلُّهُ عند ذلك يا مالك؛ عند ذلك يَقُومُ قَائِمُنَا فيقدم سَبعين رَجُلًا يَكذِبُونَ على اللهِ وعلى رسوله (صلَّى الله عليه وآله) فَيقتلهم، ثُمَّ يَجْمَعُهُمُ اللهُ على أمرٍ واحِدٍ"[10].
يظهر من الرواية الشَّريفة أنَّ هؤلاء مِن أصول الفتن الَّتي تدبُّ في الشِّيعةِ فتفرِّقهم وتُحدثُ اختلاف الكلمة والصراعات بينهم، ومحلُّ التنبيه هو أن يحذر المؤمن العاقل الوقوعَ في حبائل إيقاع الفتن بين المؤمنين، والحال أنَّنا نعيش ألوانًا منها وأطيافًا يفتعلها من يمكن أن يُشار لهم لوضوح مواقعهم وما يرفعون من رايات خصومات وتدابر.
بل وقد يمرق منافقون ويكونون على مقربة من الإمام (عليه السَّلام)، ولكنَّه يعرفهم فيأمر بهم إلى حتفهم، ويشهد بذلك ما في غيبة النعماني يروي بسنده عن سعدان بن مسلم، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) أنَّه قال: "بَينَا الرَّجُلُ على رأسِ القَائِمِ يَأمُرُهُ وَيَنْهَاهُ إذ قَال: أدِيرُوهُ! فَيُدِيرُونَهُ إلى قُدَّامِهِ فَيَأمُرُ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، فَلا يَبقَى في الخَافِقَين شَيءٌ إلَّا خَافَهُ"[11].
إنَّهُ إذن عصرٌ لا يمضي فيه نفاق ولا كذب، ولا ترتفع على رؤوس أهله رايةُ فِتنةٍ أو ضلال أو ما في حكم ذلك، وهذا ما ينبغي للمؤمن أن يوطِّن النَّفس عليه سائلًا الله تعالى السَّلامة والصَّلاح.
يتحصَّل مِمَّا مر:
أوَّلًا: لا معنى ولا مبرِّر ولا وجه على الإطلاق لجعل فقهاء زماننا موضوعًا لرواية أبي الجارود فيتصارع فريقان بين مثبت ومُبرئ. فافهم رزقك الله تعالى خير الدنيا والآخرة.
ثُمَّ إنَّ مآل الأمر في العراق إلى اضطراب، مع عدم خلوه من أنصاره (عليه السَّلام)، فعن أبي جعفر (عليه السَّلام) قال: "يَدخُلُ الكُوفَةَ وبِهَا ثَلَاثُ رَاياتٍ قَدِ اضْطَرَبَتْ فَتَصْغُو له، وَيَدخُلُ حَتَّى يَأتِي المِنْبَرَ فَيَخْطُب فَلَا يَدْرِي النَّاسُ مَا يَقُولُ مِنَ البُكَاءِ"[12]، وفي غيبة النعماني بسنده عن إبراهيم بن عمر اليماني مُرسِلًا عن أبي جعفر (عليه السَّلام) أنَّه قال: "لَتُمَحصنَّ يا شيعة آل محمَّد تمحيص الكُحل في العين؛ وإنَّ صاحب العين يدري متى يقعُ الكُحْلُ في عينه ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يُصْبِحُ الرَّجُلُ على شريعةٍ من أمرنا، ويُمْسِي وقد خرج منها، ويُمْسِي على شريعة من أمرنا، ويُصْبِحُ وقد خرج منها"[13]. ثُمَّ إنَّنا لا نعلم إن كانت هيئة وصورة المرجعية الدينيَّة عند الظهور تبقى على ما هي عليه اليوم أو أنَّها تدخل في طور آخر، مع بقاء المادَّة بطبيعة الحال.
ثانيًا: تتحدَّث روايةُ أبي الجارود عن فقهاء صريحين في عدائهم للإمام المهدي (عليه السَّلام)، بدليل تسميتهم له بـ(ابن فاطمة)، والأمر سيان إن كانوا يعرفونه قبل لقائهم به أم أنَّهم عرفوه بعده؛ فالكلمة واحدة: "لا حاجة لنا فيك".
عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السَّلام)، قَالَ: سَمِعْتُه يَقُولُ: "مَنْ سَرَّه أَنْ يَسْتَكْمِلَ الإِيمَانَ كُلَّه فَلْيَقُلِ الْقَوْلُ مِنِّي فِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَوْلُ آلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَسَرُّوا ومَا أَعْلَنُوا، وفِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُمْ وفِيمَا لَمْ يَبْلُغْنِي"[14].
السَّيد محمَّد بن السَّيد علي العلوي
2 من شهر رمضان 1445 للهجرة
البحرين المحروسة
...............................................
[1] - الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج 2 - ص 263
[2] - كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق - ص 484
[3] - دلائل الامامة - محمد بن جرير الطبري - ص 455-456
[4] - الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 - ص 384
[5] - الآية 159 من سورة البقرة
[6] - الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج 2 - ص 263 - 265
[7] - معاني الأخبار - الشيخ الصدوق - ص 2
[8] - راجع: من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج 4 - ص 544
[9] - راجع: الغارات - إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي - ج 2 - ص 764
[10] - الغيبة - ابن أبي زينب النعماني - ص 214
[11] - الغيبة - ابن أبي زينب النعماني - ص 245 - 246
[12] - الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 - ص 380
[13] - الغيبة - ابن أبي زينب النعماني - ص 214
[14] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 391