من جملة الأدلة التي استدل بها على وجوب الخمس في فاضل المؤونة قوله تعالى في سورة الأنفال، آية 41: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
فالغنيمة وإن قيل باختصاصها بغنائم الحرب، إلا أن كلمة (غنِم) ترادف كلمة (ربح واستفاد)، فحينئذ تعم مطلق الفائدة، خصوصا بعد ملاحظة التعبير (بالشيء) الذي يتلاءم مع التعميم.
وقد أشار القرطبي إلى ذلك في تفسيره [الجامع لأحكام القرآن ج 8 ص1]، حيث قال: "الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي"، إلا أنه خصها بغنيمة الحرب تمسكا بالاتفاق (الإجماع) المدعى.
قال القرطبي:" واعلم أن الاتفاق الحاصل على أن المراد بقوله تعالى: {غنمتم من شيء} مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر.
ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص على ما بيناه، ولكن عرف الشرع قيد اللفظ بهذا النوع". انتهى كلامه.
فمن خلال هذه الآية الشريفة – مضافا لدلالة الأخبار- يمكننا إثبات تشريع الخمس في زمن النبي (صلى الله عليه وآله).
إشكال وجواب:
البعض أورد إشكالا على مفاد الآية الشريفة بعد التمسك بإطلاقها، وبيانه:
لو كان هذا النوع من الخمس ثابتا في الشريعة فلماذا لم يعهد أخذه من النبي (صلى الله عليه وآله)؟ حيث لم ينقل ذلك في كتب الحديث أو التأريخ.
بل لم تنقل الروايات إلا في عصر الصادِقَين (عليهما السلام)، وقبل ذلك لا عين ولا أثر.
فلو كان تشريع الخمس ثابتا لما اختلف في ذلك عن الزكاة التي بعثوا لجبايتها العمال.
وقد أجاب السيد الخوئي (قدس سره) في مستنده ضمن مبحث الخمس [ج 25 ص197] بعدة أجوبة:
أولا: القول بتدريجية الأحكام وجواز تأخير التبليغ عن عصر التشريع، وذلك بإيداع بيانه من النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الإمام (عليه السلام) ليظهره في ظرفه المناسب له حسب المصلحة الوقتية الباعثة على ذلك.
ثانيا: القول بوجود الفارق بين الزكاة والخمس، فالأول ملك للفقراء وحق يصرف في مصالح المسلمين، وقد أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بأخذه، قال تعالى في سورة التوبة، آية 103: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. فلذا بعث (صلى الله عليه وآله) العمال لجباية الزكوات.
بخلاف الخمس، فهو حق له (صلى الله عليه وآله) ولأقربائه، فهو أشبه بالملك الشخصي، لعدم عود الفائدة لكافة المسلمين، فلذا لم يؤمر (صلى الله عليه وآله) إلا بالتبليغ دون الأخذ.
وهذا نظير وجوب الخمس في الركاز عند غير الشيعة من المسلمين، حيث دلت عليه الروايات الكثيرة عندهم، إلا أنه لم يعهد من النبي (صلى الله عليه وآله) أخذه، ولم ينقل ذلك أبدا.
بل ورد في صحيح البخاري [ج2 ص131]: أن رجلا من بني عبد قيس جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فلما أراد الانصراف أمره (صلى الله عليه وآله) بالصلاة والصيام والزكاة وإعطاء الخمس مما غنم.
فالمراد خمس الأرباح والمتاجر، لعدم فرض قتال أو غزوة في البين.
ويؤكد ذلك عدم وجود الخلاف بين المسلمين في عدم جواز دفع الزكاة لبني هاشم وأن الصدقة عليهم حرام.
وعليه، فلو قلنا بأن الخمس مقصورا على غنائم الحرب، فكيف يعيش الفقراء من بني هاشم في عصر الهدنة مع لحاظ طول أمده؟
فالمتحصل: أن الإشكال المذكور عليل ولا ينهض بعد المناقشة.
والحمد لله رب العالمين