غازي السماك
الاجتهاد لغة إما من الجهد – بالضم – ومعناه الطاقة، وإما – بالفتح – ومعناه المشقة، فيكون المراد به على كلا التقديرين هو: بذل الوسع والطاقة، لأن الطاقة والمشقة أمران متلازمان.
وقد عُرف اصطلاحا بعدة تعريفات، منها: استفراغ الوسع لتحصيل الظن بالحكم الشرعي، وهو مختار بعض الأعلام تبعا للعامة، لاعتبارهم الظن في الأحكام الشرعية.
وقد أورد عليه السيد الخوئي في تنقيحه [ج1 ص 8] بعدم ملاءمته لما هو المقرر من عدم الاعتبار بالظن، وأن العبرة إنما هي بما جعلت له الحجية شرعا.
ويمكن المناقشة في إيراده (قدس سره) بأن المراد عند الأصحاب هو خصوص الظن المعتبر الذي دل الدليل القطعي على اعتباره، لا مطلق الظن، وإنما خصصوا الظن (المعتبر) في التعريف من باب الغلبة في تحصيل الحكم الشرعي، لا الانحصار.
نعم، ربما ترد على هذا التعريف إيرادات أخر، وليس المقام في وارد التعرض لها.
وكيف ما كان، فقد ذكر (قدس سره) بأن المتأخرين من الأصحاب – نظرا للإيراد المتقدم – عرفوه بأنه ملكة يقتدر بها على استنباط الأحكام الشرعية.
وأورد عليه (قدس سره) أن الاجتهاد بهذا المعنى ليس من أطراف الوجوب التخييري الثابت للاجتهاد والتقليد والاحتياط، لأن المجتهد الذي له ملكة الاستنباط من غير أن يستنبط ويتصدى لتحصيل الحجة ولا في حكم واحد، هو كغيره يحتمل العقاب في كل من أفعاله وتروكه، ومعه لا بد أن يكون إما مجتهدا أو مقلدا أو محتاطا.
فلذا عرف السيد الخوئي (قدس سره) الاجتهاد بأنه تحصيل الحجة على الحكم الشرعي بالفعل، وبه ينتفي ما تقدم من الإيرادين. [لاحظ التنقيح ج1ص9].
وبعد أن ذكر هذا التعريف قال ما نصه [ص10]: ثمّ إن التعريف الّذي قدّمناه للاجتهاد مضافاً إلى أنه سليم عن المناقشتين المتقدمتين، يمكن أن تقع به المصالحة بين الأخباريين والأُصوليين، وذلك لأن الفريقين يعترفان بلزوم تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية ولا استيحاش للأخباريين عن الاجتهاد بهذا المعنى، وإنما أنكروا جواز العمل بالاجتهاد المفسّر باستفراغ الوسع لتحصيل الظن بالحكم الشرعي، والحق معهم لأن الاجتهاد بذلك المعنى بدعة ولا يجوز العمل على طبقه.
ثم قال [ص11]: نعم، قد يقع الخلاف في بعض المصاديق والصغريات، مثلًا لا يرى الأُصولي شيئاً حجة وهو حجة عند المحدّثين، أو بالعكس إلّا أنه غير مضرّ بالاتفاق على كبرى لزوم تحصيل الحجة على الحكم، كيف فإنه قد وقع نظيره بين كل من الطائفتين، فترى أن المحدّث الأسترآبادي يرى عدم حجية الاستصحاب في الأحكام الكلّية إلّا في استصحاب عدم النسخ ويرى غيره خلافه.
فالمتحصل من السيد الخوئي (قدس سره): أن الاجتهاد بمعنى تحصيل الحجة على الحكم الشرعي أمر لا يسع الأخباري إنكاره، وهو الذي يرى الأصولي وجوبه.
وبذلك يظهر أن النزاع بين الفريقين لفظي، وهو راجع إلى التسمية، فإن المحدّث لا يرضى بتسمية تحصيل الحجة اجتهاداً وأما واقعة فكلتا الطائفتين تعترف به.