غازي السماك/ النجف الأشرف
5-11-2024/ 1 جمادى الأول- 1446
كتاب الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام)، والمعروف في الأوساط العلمية بكتاب [الفقه الرضوي] هو من الكتب التي نالها الكلام بالنقض والإبرام من جهة نسبته إلى الإمام الرضا (عليه السلام).
حيث ذهب جملة من الأعلام لصحة انتسابه للإمام (عليه السلام) كالمجلسيين والسيد محمد الطبأطبائي –صاحب مفاتيح الأصول- والفاضل الهندي –صاحب كشف اللثام- والسيد بحر العلوم والمحدث البحراني والسيد علي الطبأطبائي –صاحب الرياض– المحقق النراقي في عوائده والمحدث النوري وغيرهم -عطر الله مراقدهم الشريفة-.
وأول من روج لهذا الكتاب هو المجلسي الأول، وتبعه ولده المجلسي الثاني والفاضل الهندي.
ومضمون الكتاب –كما ذكر الميرزا النائيني في رسالة (الصلاة في المشكوك) ص105-، حيث قال: الذي أظنه قويا أن أحمد بن محمد بن عيسى هو مؤلف هذا الكتاب الشريف الموسوم بالفقه الرضوي، ويشتمل على ما في نوادره.
ولا يخفى أن جملة ما يتضمنه هذا الكتاب بين طوائف ثلاث:
الأولى: ما يظهر من سياقه أن من نطق به يرى نفسه أنه الإمام (عليه السلام) وابن الأئمة، والمظنون قوياً أنه من إملاء الرضا (عليه السلام) وكتبه المؤلف المذكور.
الثانية: روايات عن آبائه الطاهرين (صلوت الله عليهم) جمعها -أي أحمد بن محمد بن عيسىي- عن الرواة عنهم وأدرجها في طيّ هذا الكتاب وفي نوادره.
الثالثة: ما اشتبه حاله، ويظن أن جملة منه من اجتهادات المؤلف في الجمع بين ما تعارضت ظواهرها ونحو ذلك. ولا يبعد أن يكون اشتمال هذا المؤَلَف الجليل على الطائفة الأخيرة وعدم تميّزها عن الأولى هو الذي أوجب عدم اشتهار الكتاب بين الأصحاب.
وللكتاب طريقان:
الطريق الأول: وهو ما ذكره العلامة المجلسي في بحاره حيث قال [ج1ص11]: وكتاب فقه الرضا (عليه السلام) أخبرني به السيد الفاضل المحدث القاضي أمير حسين طاب ثراه بعد ما ورد إصفهان. قال: قد اتفق في بعض سني مجاورتي بيت الله الحرام أن أتاني جماعة من أهل قم حاجين، وكان معهم كتاب قديم يوافق تاريخه عصر الرضا صلوات الله عليه وسمعت الوالد رحمه الله أنه قال: سمعت السيد يقول: كان عليه خطه صلوات الله عليه، وكان عليه إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء، وقال السيد: حصل لي العلم بتلك القرائن أنه تأليف الإمام (عليه السلام) فأخذت الكتاب وكتبته وصححته فأخذ والدي قدس الله روحه هذا الكتاب من السيد واستنسخه وصححه.
وقال المحدث النوري في خاتمة المستدرك [ج1ص 232]: والثقة العدل القاضي أمير حسين -طاب ثراه- استنسخ هذا الكتاب قبل هذا بنحو من عشر سنين، وكان في عدة مواضع منه خط الإمام الرضا عليه السلام، وإني أشرت إليه، ورسمت صورة خطه عليه السلام عل ما رسمه القاضي.
ومن موافقة الكتاب لكتاب الفقيه، يحصل الظن القوي بأن علي بن بابويه، ومحمد بن علي كانا عالمين بأن هذا الكتاب تصنيف الإمام عليه السلام، وقد جعله الصدوق حجة بينه وبين ربه..
الطريق الثاني: وهو الذي ينتهي إلى محمد بن سكين أو أحمد بن سكين المعاصر للإمام الرضا (عليه السلام)، وقد ذكر صاحب الدرة المنظومة أنه وجد في الكتب الموقوفة على الخزانة الرضوية -على مشرفها آلاف التحية والثناء- نسخة من هذا الكتاب كان مكتوبا عليها أن الإمام الثامن الضامن صنف هذا الكتاب لمحمد بن سكين.
وأن أصل النسخة وجدت في مكة المشرفة بخط الإمام، وكانت بالخط الكوفي فنقله المولى المحدث الميرزا محمد إلى الخط المعروف. [لاحظ الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام) ص15].
ويمكن المناقشة في الطريقين:
أما الطريق الأول: فإن إخبار القاضي أمير حسين –طاب ثراه– بعد حصول العلم لديه من خلال استناده لبعض القرائن، كخط الإمام (عليه السلام) وإجازة جماعة من الفضلاء، فهو حجة عليه، لا على خيره، قد لا توجب الاطمئنان لغيره فضلا عن العلم، خصوصا بعد كون إخباره عن حدس لا عن حس، فتنصرف عنه عموم أدلة خبر الواحد. [لاحظ مصباح الفقاهة ج1 ص32].
إن قلت: كيف تنكر النسبة وفي الكتاب ما يدل على صحتها، من قبيل قوله: [يقول عبد الله علي بن موسى الرضا – نحن معاشر أهل البيت – أمرني أبي –وجدنا أمير المؤمنين– وأروي عن أبي العالم].
قلت: أولا: لا يدفع ما ذكر احتمال الوضع والكذب، بعد الجهل بمؤلف الكتاب.
وثانيا: لو تنزلنا، فلا يصح أن يتمسك بما ذكر لنسبته للإمام المعصوم، فلعل من كتبه كان من نسل السادات الكرام.
وأما الطريق الثاني: الذي ينتهي إلى محمد بن سكين، قال النجاشي: محمد بن سكين بن عمار النخعي الجمال: ثقة، روى أبوه عن أبي عبد الله عليه السلام، له كتاب.
أما أحمد بن سكين فلا أثر له في شيء من كتب الرجال.
وهذا الطريق –كسابقه- لا يوجد له سند متصل، فهو مبتلى بالإرسال.
فهو طريق ثبت بالوجادة لا بالرواية، ولا اعتبار بالوجادة، فلذا لم يعتمد عليه الحر العاملي في وسائله ولم يكن من الكتب المعتبرة عنده. [لاحظ كتاب أمل الآمل للحر العاملي ج2ص364].
نعم، هناك من الأعلام والفضلاء من نسب الكتاب لجعفر بن بشير البجلي، وإلى محمد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وإلى علي بن مهدي بن صدقة بن هشام الرقي الأنصاري، وإلى أحمد بن محمد بن عيسى صاحب النوادر، وإلى الشلمغاني باعتبار أنه كتاب التكليف المعروف، وإلى علي بن الحسين بن موسى بن بابويه والد الصدوق. [لاحظ كتاب مقياس الرواة لسيفي مازندراني ص358].
وكل ما ذكر قابل للمناقشة، ويكفي أن هذه الآراء تشترك في نفي النسبة للإمام الرضا (عليه السلام).
فالمتحصل: أن نسبة الكتاب للإمام الرضا (عليه السلام) لا يمكن المساعدة عليها.
بل في الكتاب قرائن قطعية تدل على عدم صحة نسبته إلى الإمام المعصوم (عليه السلام)، بل هو –كما ينص السيد الخوئي قدس سره في مصباح الفقاهة- رسالة عملية ذكرت فيها الفتاوي والروايات بعنوان الافتاء.