نادر الملاح
16 يوليو 2024 – ليلة العاشر من محرم الحرام 1446هـ
عظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب سبط النبي الأكرم والعترة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولا جعله آخر العهد منا بولايتهم والبراءة من أعدائهم. السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين. السلام عليكِ يا بنت أمير المؤمنين وبضعة خاتم النبيين يا سيدتي ومولاتي يا زينب الكبرى. السلام على القلوب المفجوعة بمصاب رسول الله صلى الله عليه وآله.
تناولنا في الحلقات الماضية من هذه السلسلة العاشورائية بعض مظاهر انحراف البوصلة التي حدد وجهتها رسول الله صلى الله عليه وآله بلسان الوحي الأمين (قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)، والأئمة الطاهرين من بعده، وذلك في ما يتعلق بإحياء ذكر أهل البيت عليهم السلام، باعتبارهم الامتداد الذي أراده الله جل شأنه لخط الرسالة السماوية، التي تعهد الله جل في علاه بحفظها (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). ووفاءً لهذا الوعد الإلهي، ومن أصدق من الله وعداً وعهدا، توعد الله جل شأنه المتخاذلين فقال عز من قائل (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ). لذا، فإن المسؤولية الملقاة على عاتقنا، ونحن المُدَّعون الانتماء إلى خط العترة الطاهرة والمتمسكون بمنهجهم الرسالي، عملاً بأمر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنِّي تارِكٌ فيكُم ما إن تمسَّكتُمْ بِهِ لن تضلُّوا بَعدي، أحدُهُما أعظَمُ منَ الآخرِ: كتابُ اللَّهِ حَبلٌ ممدودٌ منَ السَّماءِ إلى الأرضِ، وعِترتي أَهْلُ بيتي، ولَن يتفرَّقا حتَّى يَرِدا عليَّ الحوضَ فانظُروا كيفَ تخلُفوني فيهِما"، لمسؤولية عظيمة، بما هي تشريفٌ وتكليف. وكان الغرض من تناولنا لهذه المظاهر، والتي لم تكن سوى نماذج يسيرة من دائرة أوسع من الممارسات والسلوكيات التي تحتاج من وقفة تأملٍ واعٍ، هو أن نحاسب أنفسنا قبل أن نقف موقف الحساب في يومٍ عظيم، فنقول (..رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ)، فيأتينا الجواب لا قدر الله تعالى (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
إن الموقف المُتَأَمَّل أمام حجم التضحيات التي قدمها الحسين ومن معه، وقدمها الأئمة الطاهرون، ومن سار على هديهم ومنهجهم، هو أن نلغي ذواتنا بشكل تام، فلا (أنا) أمام أنَاتهم، ولا مصالح أو مكاسب دنيوية خاصة نسعى لتحقيقها مقابل الأثمان التي دفعوها رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ولا مجاملات أو محاباة تقوم على بخس هؤلاء المضحين في سبيل الله ومرضاته حقهم الذي قرره الله تعالى لهم.
لقد أراد لنا أهل بيت العصمة عليهم السلام أن نكون على مستوى متقدم من الوعي بالرسالة السماوية، وبالدور المنوط بنا باعتبار إيماننا الطوعي بهذه الرسالة، وهو توفيقٌ ولطفٌ إلهي لا يجدر بنا أن نرده أو نتخاذل تجاهه.
الواجب علينا أمام هذه الأمانة الإلهية، أن نكون في أشد درجات الحرص على أداء حقها على أكمل وجه، راجين من الله أن يغفر لنا كل قصورٍ أو تقصير. ولنسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً سبيل الرشاد في حملنا لهذه الأمانة للاحقين، كما حملها لنا السابقون، حتى تصل إلى يد الموكل بها، سيدنا ومولانا الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وجعلنا من المقرين بإمامته، العارفين بحقه وحق آبائه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، المحيين لأمرهم وذكرهم كما أمرونا، وما أمرهم إلا أمر الله جل في علاه. قال أبو الصلت الهروي: "سمعتُ أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقلت له: كيف يُحيي أمركم، قال: يتعلم علومنا ويعلّمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا" (عيون أخبار الرضا، ج1 ص275). وقال عليه السلام: "من جلس مجلساً يُحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب"، وقال صادق العترة عليه السلام لفُضيل: "تجلسون وتُحدثون؟ قال: نعم جُعلت فداك، قال: إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا. يا فضيل! من ذَكَرَنا أو ذُكِرْنَا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كان أكثر من زبد البحر" (ميزان الحكمة، ج1 ص399).
السلام عليك يا أبا عبدالله، السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين وابن سيد الوصيين، السلام عليك يا ابن فاطمة سيدة نساء العالمين، السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره، والوتر الموتور، السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليكم مني جميعاً سلام الله أبداً ما بقيتُ وبقيَ الليلُ والنهار.
إني سلمٌ لمن سالمكم، وحربٌ لمن حاربكم، ووليٌ لمن والاكم، وعدوٌ لمن عاداكم، فأسأل الله الذي أكرمني بمعرفتكم، ومعرفة أوليائكم، ورزقني البراءة من أعدائكم، أن يجعلني معكم في الدنيا والآخرة، وأن يُثبِّت لي عندكم قدم صدقٍ في الدنيا والآخرة. وأسأله أن يبلِّغني المقام المحمود لكم عند الله، وأن يرزقني طلب ثأري مع إمامِ هدىً ظاهر ناطق بالحق منكم، وأسأل الله بحقكم وبالشأن الذي لكم عنده، أن يعطيني بمصابي بكم أفضل ما يعطي مصاباً بمصيبته، مصيبةً ما أعظمها وأعظم رزيتها في الإسلام، وفي جميع السماوات والأرض.
اللهم اجعلني في مقامي هذا ممن تناله منك صلواتٌ ورحمةٌ ومغفرة. اللهم اجعل محياي محيا محمدٍ وآلِ محمد، ومماتي ممات محمدٍ وآلِ محمد. اللهم هذا يومٌ تبركت به بنو أمية وابن آكلة الأكباد اللعين ابن اللعين على لسانك ولسان نبيك صلى الله عليه وآله في كل موطنٍ وموقفٍ وقف فيه نبيك صلى الله عليه وآله.