
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
في الدعاء المأثور: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْكَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ واجْعَلِ النُّورَ فِي بَصَرِي والْبَصِيرَةَ فِي دِينِي والْيَقِينَ فِي قَلْبِي والإِخْلَاصَ فِي عَمَلِي والسَّلَامَةَ فِي نَفْسِي والسَّعَةَ فِي رِزْقِي والشُّكْرَ لَكَ أَبَداً مَا أَبْقَيْتَنِي"[1].
هل لأحدٍ على الله جلَّ وعلا حقٌّ؟!
الجواب:
ليس لأحدٍ حقٌّ على الله جلَّ وعلا بل لله تعالى الحقُّ الخالص والتام على جميع خلقه، نعم ثمة حقوق جعلها اللهُ سبحانه على نفسه تفضُّلاً منه على عباده كما في قوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[2] وقوله تعالى:{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ}[3] فالحقُّ الذي على الله تعالى بنصر المؤمنين ونجاتهم حقٌّ مجعولٌ من قِبله جلَّ وعلا تفضُّلاً منه على عباده المؤمنين وتكريماً منه لهم، ومعنى أنَّه حقٌّ عليه لهم هو أنَّه تعالى تعهَّد وأوجب على نفسه منحَه إيَّاهم.
فمعنى قوله جلَّ وعلا: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا} مساوقٌ لمعنى قوله تعالى: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}[4] وقوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ / إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ / وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}[5] وقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}[6] أي أوجب على نفسه الرحمة لعباده وجعل حقَّاً عليه أن ينتصر لدينه ورُسله، فهو حقٌّ مجعولٌ منه على نفسِه لعباده اقتضتْه حكمتُه البالغة.
فحين نُقسم بهذا الحقِّ فإنَّ المقصود من ذلك هو القسَمُ بالحق الذي جعله تعالى على نفسِه، فهذا هو معنى قوله (ع) في الدعاء المأثور: "أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْكَ" فثمة حقٌّ جعله جلَّ وعلا على نفسِه لمحمَّدٍ وآل محمَّدٍ (ص) فنحن نُقسمُ بهذا الحقِّ المجعول والممنوح منه لمحمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ (ص).
ثم إنَّ الحق الذي جعله الله تعالى لمحمدٍ وآل محمد (ص) هو مثل الشفاعة التي جعلها بفضله ومنِّه لهم، ومثل الاستجابة لدعائهم، ومثل المنزلة العظيمة التي صيَّرهم إليها ومثل المقام المحمود الذي خصَّ به نبيَّه الكريم (ص).
هذا وقد ورد في طرق العامَّة القسم بحقِّ محمد (ص) والقسم بحقِّ الأنبياء وبحقِّ السائلين:
فمِن ذلك: ما رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين والبيهقي في دلائل النبوَّة عن النبيِّ (ص) أنَّه قال:" لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحقِّ محمد لما غفرتَ لي فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقْه قال: يا رب لأنَّك لما خلقتني بيدك ونفختَ فيَّ من روحك رفعتُ رأسي فرأيتُ على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمتُ أنَّك لم تُضف إلى اسمِك الا أحبَّ الخلق إليك فقال الله: صدقتَ يا آدم إنَّه لأحبُّ الخلق إليَّ، ادعني بحقِّه فقد غفرتُ لك ولولا محمدٌ ما خلقتُك" وعلَّق الحاكم النيسابوري على الحديث بقوله: هذا حديث صحيح الاسناد[7].
ومنه: ما رواه الطبراني بسنده عن أنس بن مالك قال: لمَّا ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمُّ عليِّ بن أبي طالب دخل عليها رسول الله (ص) فجلس عند رأسها فقال: رحمك الله يا أمِّي كنتِ أمي بعد أمِّي.. فحفروا قبرها فلمَّا بلغوا اللحد حفره رسول الله (ص) بيده وأخرج ترابه بيده فلمَّا فرغ دخل رسول الله (ص) فاضطجع فيه ثم قال: الله الذي يُحيي ويُميت وهو حيٌّ لا يموت أغفر لأمِّي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها، ووسِّع عليها مدخلها بحقِّ نبيِّك والأنبياء الذين من قبلي فإنَّك أرحم الراحمين"[8].
أقول: الرواية من حيث السند تامَّة -بحسب مبانيهم- فرجاله رجال الصحيح كما ذكر ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد عدا روح بن صلاح[9] وقد ذكره ابن حبان في الثفات وقال عنه الحاكم: ثقة مأمون كما ذكر ابن حجر في لسان الميزان[10] والذهبي في ميزان الاعتدال[11] وقد اشتملت الرواية على قسَمِ النبيِّ الكريم(ص) على ربِّه بحقِّه عليه وبحقِّ الأنبياء الذين بعثوا قبله.
ومنه: ما رواه ابن ماجه في سننه بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص) مَن خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهمَّ إنِّي أسألك بحقِّ السائلين عليك، وأسألك بحقِّ ممشاي هذا فإنِّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعةً. وخرجتُ اتقاءَ سخطِك وابتغاءَ مرضاتك. فأسألك أن تُعيذَني من النار وأنْ تغفر لي ذنوبي. إنَّه لا يغفر الذنوب إلا أنت - أقبل الله عليه بوجهه، واستغفر له سبعون ألف ملك"[12].
أقول: هنا يُقسم الرسول (ص) ويتوسلُ بحقِّ السائلين على الله تعالى، وحقُّهم هو الاستجابة لدعائهم بمقتضى وعده الكريم والناجز والذي أنبأ عنه في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[13] وقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[14] فالاستجابة لدعاء السائلين حقٌّ جعله الله تعالى على نفسه، والنبيُّ (ص) - بحسب هذه الرواية يقسم بهذا الحقِّ.
ومنه: ما رواه الطبراني في الدعاء بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: من سره أن يوعيه الله عز وجل حفظ القرآن وحفظ أصناف العلم فليكتب هذا الدعاء.. اللهم إني أسألك بأنك مسؤول لم يسأل مثلك ولا يسأل أسألك بحق محمد رسولك ونبيك وإبراهيم خليلك وصفيك، وموسى كليمك ونجيك، وعيسى كلمتك وروحك، وأسألك بصحف إبراهيم وتوراة موسى، وزبور داود، وإنجيل عيسى وفرقان محمد صلى الله عليه وعليهم وأسألك بكل وحي أوحيته وبكل حق قضيته وبكلِّ سائل أعطيته، وأسألك بأسمائك التي دعاك بها أنبياؤك فاستجيب لهم، وأسألك باسمك المخزون المكنون الطهر الطاهر المطهر.."[15].
هذا بعض ما وقفنا عليه من طرق العامَّة، وأما ما ورد من طرق أهل البيت (ع) فلا يبعد تجاوزه لحدِّ التواتر إذا أضفنا إليها الأدعية المأثورة التي اشتملت على القسم بحقِّ مثل القرآن العظيم والقسم بحقِّ البيت الحرام وبحقِّ المشعر الحرام وبحقِّ الدعوة التامة وبحقِّ الإسلام وبيوم العيد وبحقِّ تربة الحسين (ع) والمراد من القسم بحقِّ المذكورات وشبهها هو القسم بالحرمة التي جعلها الله تعالى لها.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
3 / شعبان / 1446ه
2 / فبراير / 2025م
.......................................
[1] - الكافي -الكليني- ج2 / ص549.
[2] - سورة الروم: 47.
[3] - سورة يونس / 103.
[4] - سورة الأنعام: 12.
[5] - سورة الصافات / 171-173.
[6] - سورة المجادلة / 21.
[7] - المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج2 / ص615، دلائل النبوَّة -البيهقي- ج5 / ص489.
[8] - المعجم الكبير -الطبراني- ج24 / ص351.
[9] - مجع الزوائد -الهيثمي- ج9 / ص257.
[10] - لسان الميزان -ابن حجر-ج2 / ص465.
[11] - ميزان الاعتدال -الذهبي- ج2 / ص58.
[12] - سنن ابن ماجه -محمد بن يزيد القزويني- ج1 / ص256. مسند أحمد ج3 / ص21.
[13] - سورة البقرة / 186.
[14] - سورة غافر / 60.
[15] - الدعاء 397.