
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}.[1]
أتعرض في هذا المقالة إلى مجموعةٍ من الموضوعات المتعلقة بإمامنا صاحب العصر والزمان المهدي المنتظر، محمد بن الحسن العسكري، آخر الأئمة والحُجج من آل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، نزولًا عند رغبة وطلب مجموعة من المؤمنين من قريتي، قرية العكر، استعدادًا منهم لمولده الشريف للعام 1446هـ.
وقد جعلته في خمسة أبواب وخاتمة، يسبقها تعريفٌ مختصر بشخص الإمام المهدي (عليه السلام).
البطاقة الشخصية:
الاسم: الإمام محمَّدُ بن الحسنِ بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).
تاريخ الميلاد: 15 شعبان 255هـ، العام 869م.
مكان الولادة: سامراء.
كناه وألقابه: أبو القاسم - المهدي - المنتظر - القائم - بقية الله - صاحب الزمان.
أمه: السيدة نرجس (رضوان الله عليها).
تاريخ الغيبة الصغرى: امتدت الغيبة الصغرى 69 عاما، إذ بدأت في العام 260هـ، وانتهت في العام 329هـ.
تاريخ الغيبة الكبرى: بدأت في العام 329هـ، ولا تزال مستمرة إلى يومنا هذا.
سفراؤه في الغيبة الصغرى:
الأول: أبو عَمرو، عثمانُ بن سعيد العَمري.
الثاني: محمد بن عثمان بن سعيد العَمري.
الثالث: أبو القاسم، الحسين بن رَوحٍ النوبختي.
الرابع: علي بن محمد السَمَري.
الباب الأول: إثبات الولادة:
يرى الشيعة الإمامية أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) قد وُلِد وعاش في كنف أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ما يقرب من أربع سنواتٍ ونصف، ثم تسنَّم زمام الإمامة والخلافة الإلهية وهو في تلك السنِّ الصغيرة، على خلاف مَن قال إنه يولد في آخر الزمان من المخالفين، وذلك ثابتٌ بوجوهٍ عديدة، أهمها ما جاء على لسان الرسول الأعظم والأئمة من أهل بيته (صلوات الله عليهم)، ومن ذلك:
ما خَرَجَ عن أبي محمَّدٍ (عليه السلام) حِينَ قُتِلَ الزُبيري: هذا جزاءُ مَنِ افترى على الله في أوليائه، زَعَمَ أنَّه يقتلني وليس لي عَقِبٌ، فكيف رأى قدرةَ الله؟
ووُلِدَ له ولدٌ سمَّاه (محمَّد) سنةَ ستٍّ وخمسينَ ومائتين.[2]
وما وَرَدَ عن أبي الهيثم المِيثمي، عن أبي عبد الله جعفرِ بنِ محمَّدٍ (عليهما السلام) أنَّه قال: إذا توالَتْ ثلاثةُ أسماء محمَّد وعلي والحسن، كان رابعُهُم قائِمُهُم.[3]
هاتان الروايتان وغيرهما، والروايات التي صرَّحتْ بأسماء الأئمة (عليهم السلام)، ونصَّتْ على أنَّ الثاني عشر هو ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، كافيةٌ لإثبات المطلوب، وهو ولادته (عليه السلام). ويؤيده بكلِّ وضوحٍ الروايات والأخبار التاريخية المنقولة عن وجود سفراء له ووكلاء، وعن كيفية تعامل الشيعة مع الأمر في زمن الغيبة الصغرى، كما يأتي في الأبواب اللاحقة.
الباب الثاني: تجاوبُ الشيعة مع الإمام (عليه السلام)، وقضاؤه لحوائجهم:
وردَتْ حوادث كثيرةٌ في تعاطي وتجاوب الشيعة مع الإمام عن طريق المكاتبة لأمورٍ شتَّى، بواسطة السفراء الأربعة وباقي الوكلاء، وكان (عليه السلام) يستجيب لهم ويدعو لهم ويأمرهم وينهاهم ويقضي حوائجهم، أذكر هنا بعض تلك الحوادث:
الأولى: عن أبي عبد الله النِّسائي، قال: أَوصلتُ أشياءَ للمَرزبانيِّ الحارثيِّ فيها سِوارُ ذهبٍ، فقُبِلَتْ، وَرُدَّ عليَّ السِّوار، فَأُمِرتُ بكسرِهِ فكَسَرتُه، فإذا في وَسَطِهِ مثاقيلُ حديدٍ ونحاسٍ أو صُفرٍ، فأَخرجتُهُ وأَنفذتُ الذهبَ، فَقُبِلَ.[4]
الثانية: القاسمُ بن العلاء، قال: وُلِدَ لي عدَّةُ بنين، فكنتُ أكتبُ وأَسأَلُ الدعاء، فلا يُكتبُ إليَّ لهم بشيء، فماتوا كلُّهُم، فلمَّا وُلِدَ لِيَ الحسنُ ابني، كتبتُ أَسألُ الدعاء، فأُجِبتُ: يبقى والحمدُ لله.[5]
الثالثة: عن أبي عقيلٍ عيسى بن نصر، قال: كتبَ عليُّ بنُ زيادٍ الصَّيمَري يسألُ كفنًا، فَكَتَبَ إليه: إنَّكَ تحتاجُ إليه في سنةِ ثمانين. فماتَ في سنةِ ثمانين، وَبَعَثَ إليه بالكفنِ قبلَ موتِهِ بأيام.[6]
الرابعة: عليُّ بن محمد، قال: خَرَجَ نهيٌ عن زيارةِ مقابرِ قريشٍ والحَيرِ، فلمَّا كان بعدَ أشهرٍ دعا الوزيرُ الباقَطَائي، فقال له: القَ بني الفراتِ والبُرْسِيِّينَ، وقُلْ لهم: لا يزوروا مقابرَ قريشٍ؛ فقد أَمَرَ الخليفةُ أنْ يُتَفَقَّدَ كلُّ مَن زار، فيُقبَضُ عليه.[7]
وكُتبُ الروايات والتاريخ مليئةٌ بمثل هذه الحوادث بحيث تُوجبُ اليقين في النفس بوجود اتصالٍ بالصاحب (عليه السلام).
الباب الثالث: الغيبتانِ الصغرى والكبرى، وحَيرة الشيعة:
كما هو معلومٌ عند المؤمنين فإنَّ غَيبة الإمام (عليه السلام) تنقسم إلى غيبتين، عُرفت الأولى منهما باسم الغيبة الصغرى، والثانية باسم الغيبة الكبرى، والجامع بينهما هو غياب الإمام (عليه السلام) عن الأنظار، والفارق بينهما في معرفةِ بعض خاصة شيعتِهِ بمكانِهِ واتصال الشيعة به عن طريق السفراء الأربعة المنصوبينَ من قِبلِه في الغيبة الصغرى دون الكبرى، حيثُ انتهت المرحلة بوفاة السفير الرابع عليِّ بنِ محمَّد السَّمَري، وكان الإمامُ المنتظر (عليه السلام) قد أخبرهُ في كتابٍ له بتاريخ وفاتِهِ وبأنْ لا يوصي لأحدٍ بعده، وكان ذلك في العام 329 للهجرة، فكان هذا العامُ عامَ انتهاء الغيبة الصغرى، وبداية الغيبة الكبرى المستمرة إلى يومنا هذا.
في الروايات الشريفة ما يتحدَّث عن غيبته بشكلٍ مطلق، وفيها ما يتحدث عن تقسيم الغَيبة إلى قسمين.
مما جاء في ذكر الغيبة بشكلٍ مطلق: ما عن أمِّ هانئ، قالت: قلتُ لأبي جعفرٍ محمدِ بنِ عليٍّ الباقر (عليهما السلام): ما معنى قولِ الله عزَّ وجلَّ: {فَلَا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ}[8]؟ فقالَ: يا أمَّ هانئ، إمامٌ يخنِسُ [يُخفي] نفسَهُ حتى ينقطعَ عنِ الناسِ عِلمُهُ سنةَ ستينَ ومائتين، ثم يبدو كالشِّهابِ الواقدِ في الليلةِ الظَّلماء، فإنْ أدركْتِ ذلكَ الزمان قرَّتْ عينُك.[9]
ومما جاء في تقسيم الغَيبة إلى طويلةٍ وقصيرة: ما عن إسحاقَ بنِ عمَّارٍ الصَّيرفي، قال: سَمِعْتُ أبا عبدِ الله جعفرَ بنَ محمَّدٍ (عليهما السلام) يقولُ: للقائِمِ غيبتانِ: إحداهُما طويلةٌ، والأخرى قصيرة، فالأولى يَعلَمُ بمكانِهِ خاصَّةٌ من شيعتِهِ، والأخرى لا يَعلَمُ بمكانِهِ فيها إلا خاصَّةُ موالِيهِ في دينه.[10]
الباب الرابع: الافتتانُ بغَيبة الإمام (عليه السلام):
تُعتبر غَيبة الإمام المنتظر (عجل الله فرجه) من أصعب الاختبارات التي واجهها الشيعة منذُ بَعثَ الله رسولَهُ الخاتم إلى يومنا هذا، فإنهم في بادئ الأمر كانوا يعيشون والأئمة بعد النبي الأكرم (صلوات الله عليهم) بينهم، يرجعونَ إليهم ويلجَأون إليهم في كلِّ كبيرةٍ وصغيرة، وإنْ ضاقت بهم السُبل في بعض الأزمان والأحوال، إلى أنْ حانت غَيبة الإمام القائم (عليه السلام) وبدأت حيرتُهم العظيمة، بل رَجَعَ من رجعَ عن الدين القويم والصراط المستقيم إلا مَنْ رحم ربي، كما يصرِّح به الشيخُ ابن أبي زينب محمَّدُ بن إبراهيم النعماني (رضوان الله عليه) في مقدمة كتابه (الغَيبة)، وفي عدَّة مواضع من كتابه.
قال (رحمه الله) في مقدمة كتابه: "فإنَّا قد رأينا طوائف من العصابة المنسوبة إلى التشيع، المنتميةِ إلى نبيِّها محمَّدٍ وآله صلَّى الله عليهم -ممن يقول بالإمامة التي جعلها الله برحمته دينَ الحقِّ [إلى أنْ قال] -، قد تفرَّقتْ كَلِمُها، وتشعَّبَت مذاهبُها؛ واستهانت بفرائض الله (عزَّ وجلَّ)، وخَفَّت إلى محارمِ الله تعالى، فطالَ بعضُها علوًّا، وانخفضَ بعضُها تقصيرًا، وشكُّوا جميعًا إلا القليل في إمام زمانهم، وولي أمرهم، وحجة ربهم التي اختارها بعلمه".[11]
ثم بيَّن (رحمه الله) السبب الذي أدى بهؤلاء إلى الضلال والضياع والافتتان، بحسبِ وجهةِ نظره، حيث قال: "ولعمري ما أُتي من تاهَ وتحيَّر وافتتن وانتقل عن الحقِّ وتعلَّق بمذاهب أهل الزخرف والباطل إلا من قلة الرواية والعلم وعدم الدراية والفهم، فإنهم الأشقياء، لم يهتموا بطلب العلم ولم يُتعبوا أنفسهم في اقتنائه وروايته من معادنه الصافية على أنهم لو رَووا ثم لم يدروا لكانوا بمنزلة من لم يرووا".[12]
في الحقيقة إن مقدمة هذا الكتاب العظيم جديرة بالقراءة والتأمل والتدبر.
انظر كيف رجعَ من رجع وافتتن من افتتن عن الحق، واختار المذاهب الباطلة، فهل نضمن ألا نقع فيما وقعوا فيه؟ كيف؟ وبعض الروايات تُفيد أنَّ هذه الفتنة العظيمة يسقط فيها من يَشقُّ الشعرة بشعرتين -كما سيأتيك- من دقته، ومع ذلك تجده سقط ولم ينفعه هذا المستوى العلمي، فلا تستهينوا بهذا الاختبار الشديد، ومَكِّنوا الحقَّ من أنفسكم كي لا ينفذ إليها الشيطان.
وقد وردت عن أئمةِ الحقِّ (عليهم السلام) مجموعة من الروايات في قضية الافتتان والاختبار، من شأنها أنْ تهدَّ الجبال الثقال، والأوتاد العِتاد، منها:
الأولى: عن سليمان بن صالح، رفعَهُ إلى أبي جعفرٍ محمَّدِ بن عليٍّ الباقر (عليه السلام)، قال: قال: إنَّ حديثَكُم هذا لتشمئِزُّ منه قلوبُ الرجال، فانبذوه إليهم نبذًا، فمن أقرَّ به فزيدوه، ومن أنكره فذروه، إنَّه لا بدَّ من أنْ تكونَ فتنةٌ يسقطُ فيها كلُّ بِطانةٍ ووليجةٍ حتى يسقطَ فيها من يَشقُّ الشعرةَ بشعرتينِ حتى لا يبقى إلا نحنُ وشيعتُنا.[13]
الثانية: عن عُميرة بنتِ نُفيل، قالت: سمعتُ الحسينَ بنَ عليٍّ (عليهما السلام) يقول: لا يكونُ الأمرُ الذي تنتظرونَهُ حتى يبرأَ بعضُكُم من بعض، ويتفِلَ بعضُكُم في وجوهِ بعض، ويشهدَ بعضُكُم على بعضٍ بالكفر، ويلعنَ بعضُكُم بعضًا. فقلتُ له: ما في ذلك الزمانِ من خير. فقالَ الحسينُ (عليه السلام): الخيرُ كلُّهُ في ذلك الزمان، يقومُ قائمُنا ويدفعُ ذلك كلَّه.[14]
الثالثة: عن رجل، عن أبي جعفرٍ (عليه السلام) أنَّه قال: لتُمحصُّنَ يا شيعةَ آل محمَّدٍ تمحيصَ الكُحلِ في العين، وإنَّ صاحبَ العينِ يدري متى يَقَعُ الكُحلَ في عينِهِ ولا يَعلمُ متى يخرجُ منها، وكذلك يًصبحُ الرجلُ على شريعةٍ من أمرِنا، ويُمسي وقد خرجَ منها، ويُمسِي على شريعةٍ من أمرنا، ويُصبحُ وقد خرجَ منها.[15]
الرابعة: عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: واللهِ لتكسَّرنَّ تَكَسُّرَ الزُجاج، وإنَّ الزُجاجَ ليُعادُ فيعودُ كما كان، واللهِ لتكسَّرنَّ تَكَسُّرَ الفخَّار، وإنَّ الفخارَ ليتكَسَّرُ فلا يعودُ كما كان، وواللهِ لَتُغَرْبَلُنَّ، وواللهِ لَتُميَّزُنَّ، وواللهِ لَتُمَحَّصُنَّ حتى لا يبقى منكم إلا الأقل، وصَعَّرَ كَفَّه.[16]
الخامسة: عن محمَّدِ بنِ منصور الصَّيقَل، عن أبيه، قال: دخلتُ على أبي جعفرٍ الباقر (عليه السلام) وعندَهُ جماعة، فبينا نحنُ نتحدَّثُ وهو على بعضِ أصحابِهِ مُقبِلٌ إذِ التفتَ إلينا وقال: في أيِّ شيءٍ أنتم؟ هيهاتَ هيهاتَ لا يكونُ الذي تَمُدُّونَ إليه أعناقَكُم حتى تُمحَّصُوا، هيهاتَ ولا يكونُ الذي تَمدُّونَ إليه أعناقَكُم حتى تُميَّزُوا، ولا يكونُ الذي تَمدُّونَ إليه أعناقَكُم حتى تُغربَلُوا، ولا يكونُ الذي تَمدُّونَ إليه أعناقَكُم إلا بعدَ إياس، ولا يكونُ الذي تَمدُّونَ إليه أعناقَكُم حتى يَشقَى مَنْ شَقِيَ، ويَسعدَ مَنْ سَعد.[17]
هذه جملةٌ من رواياتِ الافتتان، وكُتُبنا الحديثيةُ مليئةٌ بمثلها، فاحملِ الأمر على محمل الجد، ولا تتهاون في طلب اليقين بالحق، كي لا تسقط في الاختبار، فإنَّه قد سقطَ مَن بلغَ ما بلغَ من العلم، ومن كانَ شديد القرب منهم، وسقط من كان يُظَنُّ أنَّه من أهل الإيمان، وتقعُ الخلافاتُ فيما بين المؤمنين حتى يَتفلَ بعضُهُم في وجوهِ بعض!
الباب الخامس: علاماتُ وشرائط الظهور:
من الأمورِ التي تشغلُ بالَ الموالين، بل تشغل بال كلِّ من سمعَ بالغيبة ولو همسا، فإنَّها أمورٌ خطيرة، لا سيَّما بالنظر إلى ما فيها من الإبهام، وإنْ كان بعضُها من الوضوح بمكان، ومما يؤسفُ له على مر الأزمان تصدي بعض المؤمنين لإسقاط الروايات على الأحداث، وتطبيق ما في الروايات عليها اتكالًا على الظنون والأوهام، فكثيرًا ما قيل أنَّ العَلامةَ الفلانية تحقَّقت، وأنَّ الشرط الفلاني قد تحقق ويتضح لنا مجانبة ذلك للصواب، ثم نُعيدُ الكَرَّةَ مرَّةً بعد مرة، والحال أنَّ أهل بيت العصمة (صلوات الله عليهم) قد منعونا من مثل هذا، لا سيَّما نهيهم لنا عن التوقيت، لذلك ينبغي لنا أنْ نقفَ عند حدودِ هذه العلامات والشرائط دونَ إسقاطاتٍ وتأويلاتٍ لا شاهدَ عليها ولا برهان، فالخيرُ كلُّ الخيرِ في السكوتِ عما خَفِيَ عنَّا من كلامهم، والردِّ إليهم على أيِّ حال، والأخذِ بالصريح البيِّن والظاهر من كلماتهم، دونَ تكلُّفِ ما لم نُكلَّف به.
على أيِّ حال، وَردتْ مجموعةٌ من الروايات الشريفة في ذِكر علامات الظهور المقدَّس وشرائطه، منها ما ورد في كُتبِ الخاصة، ومنها ما ورد في كتب العامة، لكنَّنا بطبيعة الحال لا نعتمد إلا ما وردَ عن ذلك المنبع الأصيل، والسدِّ المنيع، فإنَّ الرُشدَ كما لا يخفى في التمسُّك بالثقلينِ الشريفينِ كما هو معلومٌ من المتواتر معنًى إنْ لم يكنْ نصًّا على لسان الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله).
في هذا المختصر أذكرُ بعض تلك العلامات والشرائط، فلستُ في واردِ ذكر كلِّ الشرائط والعلامات، ولا في وارد الربط بينها أو تحليلها، فذلك يُطلب في مظانِّه.
والمعتمدُ عندي إنما هو ما ورد في كُتبِ الخاصَّة، أما ما جاء في كُتُبِ العامَّة فلا أُكذِّبُه بالجملة ولكنْ لا أعتمد عليه في هذا المختصر، ومن تلك الروايات ما يلي:
الأولى: عن محمَّدِ بن مسلم، عن أبي عبد الله جعفرِ بنِ محمَّدٍ (عليهما السلام) أنَّه قال: إنَّ قُدَّامَ قيامِ القائمِ علاماتِ بلوى مِنَ اللهِ تعالى لعِبادِهِ المؤمنين. قُلتُ: وما هي؟ قال: ذلك قَولُ اللهِ (عزَّ وجلَّ): {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[18] قال: لنبلونَّكُم يعني المؤمنينَ بشيءٍ مِنَ الخوفِ ملك بني فلانٍ في آخرِ سلطانِهِم، والجوع بغلاءِ أسعارِهِم، ونَقص مِنَ الأموالِ فساد التجاراتِ وقِلَّة الفَضلِ فيها، والأنفس قال: موتٌ ذريع، والثمرات قِلَّة ريعِ ما يُزرَعُ وقِلَّة بركةِ الثمار، وبَشِّرِ الصابرينَ عندَ ذلك بخروجِ القائم. ثمَّ قالَ (عليه السلام) لِي: يا محمَّد، هذا تأويلُهُ، إنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يقول: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ}[19].[20]
الثانية: عن جابرٍ الجُعفي، قال: سألتُ أبا جعفرٍ محمَّدَ بنِ عليٍّ (عليهما السلام) عن قولِ اللهِ تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ}[21]، فقال: يا جابر، ذلك خاصٌّ وعام، فأمَّا الخاصُّ من الجوعٍ فبالكوفة، ويَخُصُّ اللهُ به أعداءَ آلِ محمَّدٍ فيُهلِكَهُم، وأمَّا العامُّ فبالشامِ يُصيبُهُم خوفٌ وجوعٌ ما أصابَهُم مِثلُهُ قط. أمَّا الجوعُ فقبلَ قيامِ القائمِ (عليه السلام)، وأمَّا الخوفُ فبعدَ قيامِ القائمِ (عليه السلام).[22]
الثالثة: عن عُمرَ بنِ حنظلة، عن أبي عبدِ الله (عليه السلام) أنَّه قال: للقائمِ خمسُ علامات: ظهور السُّفياني، واليَماني، والصَّيحة مِنَ السماء، وقتل النفسِ الزكيَّة، والخسف بالبيداء.[23]
الرابعة: عن داود بنِ سرحان، عن أبي عبدِ الله (عليه السلام) أنَّه قال: العامُ الذي فيه الصَّيحةُ قبلَهُ الآيةُ في رجب. قلت: وما هي؟ قال: وجهٌ يَطلعُ في القمر، ويدٌ بارزة.[24]
الخامسة: عن عبدِ الله بنِ سنان، عن أبي عبدِ اللهِ (عليه السلام) أنَّه قال: النداءُ مِنَ المحتوم، والسفيانيُّ مِنَ المحتوم، واليَمانيُّ مِنَ المحتوم، وقتلُ النفسِ الزكيَّةِ مِنَ المحتوم، وكفٌّ يطلعُ مِنَ السماءِ مِنَ المحتوم، قال: وفزعةٌ في شهرِ رمضان تُوقِظُ النائم، وتفزِعُ اليَقظان، وتُخرِجُ الفتاةَ مِنْ خِدرِها.[25]
السادسة: عن زيادٍ القندي، عن غيرِ واحدٍ من أصحابه، عن أبي عبدِ اللهِ (عليه السلام) أنَّه قال: قُلنا له: السفيانيُّ مِنَ المحتوم؟ فقالَ (عليه السلام): نعم، وقتلُ النفسِ الزكيَّةِ مِنَ المحتوم، والقائمُ من المحتوم، وخسفُ البيداءِ مِنَ المحتوم، وكفٌّ تطلعُ مِنَ السماءِ مِنَ المحتوم، والنداءُ مِنَ السماء. فقلت: وأيُّ شيءٍ يكونُ النداء؟ فقالَ (عليه السلام): منادٍ ينادي باسمِ القائِمِ واسمِ أبيه (عليهما السلام).[26]
السابعة: عن زرارةَ بنِ أَعيَن، قال: سمعتُ أبا عبدِ اللهِ (عليه السلام) يقول: ينادي منادٍ مِنَ السماء: إنَّ فلانًا هو الأمير، وينادي منادٍ: إنَّ عليًّا وشيعتَهُ هُمُ الفائزون. قُلت: فَمَنْ يُقاتِلُ المهدي بعدَ هذا؟ فقال: إنَّ الشيطانَ يُنادي: إنَّ فلانًا وشيعتَهُ هُمُ الفائزونَ [...] قلت: فَمَنْ يَعرِفُ الصادقَ مِنَ الكاذب؟ قال: يعرِفُهُ الذي كانوا يَروونَ حديثَنا، ويقولونَ إنَّه الحقُّ قبلَ أنْ يكون، ويعلمونَ أنَّهم هُمُ المُحقُّونَ الصادقون.[27]
الثامنة: عن هشامِ بنِ سالم، قال: سمعتُ أبا عبدِ اللهِ (عليه السلام) يقول: هُما صَيحتانِ صيحةٌ في أوَّلِ الليل، وصيحةٌ في آخرِ الليلةِ الثانية. قال: فقلتُ كيفَ ذاك؟ قال: فقال: واحدةٌ مِنَ السماء، وواحدةٌ من إبليس. فقلت: وكيفَ تعرفَ هذه من هذه؟ فقال: يعرِفُها مَنْ كان سَمِعَ بها قبلَ أنْ تكون.[28]
التاسعة: عن أبي بصير، عن أبي عبدِ اللهِ (عليه السلام)، قال: بينا الناسُ وقوفٌ بعرفات إذ أتاهُم راكبٌ على ناقةٍ ذعلبةٍ يُخبِرُهُم بموتِ خليفةٍ يكونُ عندَ موتِهِ فرجُ آلِ محمَّدٍ (صلوات الله عليهم) وفرجُ الناسِ جميعًا.
وقال (عليه السلام): إذا رأيتُم علامةً في السماءِ نارًا عظيمةً من قِبَلِ المَشرقِ تطلعُ ليالي، فعندَها فرجُ الناس، وهي قدَّامُ القائِمِ (عليه السلام) بقليل.[29]
العاشرة: عن بدرِ بنِ الخليلِ الأسدي، قال: كنتُ عندَ أبي جعفرٍ محمَّدِ بنِ عليٍّ الباقرِ (عليهما السلام) فذَكَرَ آيتينِ تكونانِ قبلَ القائِمِ لم تكونا منذُ أَهبطَ اللهُ آدمَ صلواتُ اللهِ عليه أبدًا، وذلك أنَّ الشمسَ تنكسفُ في النصفِ من شهرِ رمضان والقمرَ في آخِرِهِ، فقالَ لهُ رجل: يابنَ رسولِ الله، لا بلِ الشمسُ في آخِرِ الشهرِ والقمرِ في النصف. فقال له أبو جعفرٍ (عليه السلام): إنِّي لأعلَمُ بالذي أقول؛ إنَّهما آيتانِ لم تكونا مُنذُ هبطَ آدمُ (عليه السلام).[30]
الحادية عشر: عن هشامِ بنِ سالم، عن أبي عبدِ اللهِ (عليه السلام) أنَّه قال: ما يكونُ هذا الأمرُ حتى لا يبقى صنفٌ مِنَ الناسِ إلَّا وقد ولوا على الناسِ حتى لا يقولَ قائلٌ: إنَّا لو ولينا لعَدَلْنَا، ثمَّ يقومُ القائمُ بالحقِّ والعدل.[31]
الثانية عشر: قالَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): بينَ يَدَي القائمِ موتٌ أحمر، وموتٌ أبيض، وجرادٌ في حِينِه، وجرادٌ في غيرِ حِينِه، أحمرُ كالدم، فأمَّا الموتُ الأحمرُ فبالسيف، وأمَّا الموتُ الأبيضُ فالطاعون.[32]
عليك أيَّها القارئ الكريمُ استخلاص العلاماتِ والشرائطِ من هذه الرواياتِ الشريفةِ وغيرِها، لكنَّني أُريدُ أنْ أُنبِّهَكَ أنَّ هذه العلاماتِ قد تكونُ سببًا للضَّلال، لذلك -كما مرَّ فيها- إنَّما ينجو مَن يعرفُ هذه العلاماتِ قبل قوعها، فيلزم السعي في معرفة هذه العلامات، والشرائط كذلك، بل كلُّ ما مِنْ شأنِهِ أنْ يحمينا من السقوط حين الافتتان، لا سيَّما في الجانب العَقَدِي، فإنَّه المحورُ الذي لا يمكن تركه بحال.
خاتمة:
أظنُّ أنَّني تمكَّنتُ في هذا المختصر من الإجابة على بعض التساؤلات العالقة في أذهانِ جَمعٍ مِنَ المؤمنين، والأهمُّ من ذلك بيان خطورة هذه القضية، وأنَّها تشكِّلُ اختبارًا صعبًا يسقط فيه من يسقط، ولا ينجو منه إلا من تهيَّأَ لذلك وكان من المرحومين، فلا ينبغي التساهلُ في هذه القضية المحورية في حياتنا جميعًا، إذ لا يخفى أنَّها ممتدةٌ في ضمن الولاية لله تعالى ورسوله (صلَّى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وفي ضمن تحقيق الخلافة الإلهية على وجه الأرض.
عن عليِّ بنِ أبي حمزة، عن أبي عبدِ اللهِ (عليه السلام) أنَّه قال: لو قد قامَ القائمُ لأَنكَرَهُ الناس، لأنَّهُ يرجعُ إليهم شابًّا مُوفقًّا لا يثبتُ عليه إلَّا مَن قد أَخَذَ اللهُ ميثاقَهُ في الذَّرِّ الأوَّل.[33]
اللَّهُمَّ عَجِّلْ فَرَجَ وَليِّكَ القائمِ المُنتظر، واجعلْنَا مِنْ أنصارِهِ وأعوانِهِ والمُستشهدِينَ بينَ يديه، إنَّكَ سميعٌ مُجيبٌ.
إهداء
يُهدَى ثوابُ هذا العملِ إلى ساداتِنا وأوليائِنا، الرسولِ الأعظمِ محمَّدٍ وآلِ بيتِهِ المعصومينَ الأطهارِ الأخيارِ (صلوات الله عليهم أجمعين)، وإلى أرواحِ أمواتِ أهالي قريةِ العِكر بالخصوص، وإلى أرواح أموات كافَّةِ المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها.
محمود أحمد حسن سهلان
الأحد 25 رجب 1446هـ
الموافق 26 يناير 2025م
..................................
[2]- الكليني، الكافي، باب مولد الصاحب، ح1.
[3]- النعماني، الغيبة، ص129.
[4] - الكليني، الكافي، باب مولد الصاحب، ح6.
[5]- الكليني، الكافي، باب مولد الصاحب، ح9.
[6]- الكليني، الكافي، باب مولد الصاحب، ح27.
[7]- الكليني، الكافي، باب مولد الصاحب، ح31.
[8]- التكوير: 15.
[9]- النعماني، الغيبة، ص104.
[10]- النعماني، الغيبة، ص122.
[11]- النعماني، الغيبة، ص11.
[12]- النعماني، الغيبة، ص12.
[13]- النعماني، الغيبة، ص147.
[14]- النعماني، الغيبة، ص150.
[15]- النعماني، الغيبة، ص151.
[16]- نفس المصدر.
[17]- النعماني، الغيبة، ص153.
[18]- البقرة: 155.
[19]- آل عمران: 7.
[20]- النعماني، الغيبة، ص182.
[21]- البقرة: 155.
[22]- النعماني، الغيبة، ص183.
[23]- النعماني، الغيبة، ص184.
[24]- نفس المصدر.
[25]- نفس المصدر.
[26]- النعماني، الغيبة، ص185.
[27]- النعماني، الغيبة، ص193.
[28]- النعماني، الغيبة، ص194.
[29]- النعماني، الغيبة، ص196.
[30]- النعماني، الغيبة، ص199.
[31]- النعماني، الغيبة، ص201.
[32]- النعماني، الغيبة، ص203.
[33]- النعماني، الغيبة، ص136.