بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين
السلام على الحسين وعلى علي ابن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين..
يذهب البعض أنه بموت معاوية وإصرار يزيد على طلب البيعة من الإمام الحسين عليه السلام بدأ الحسين بالتحرك ضد الحكم القائم فرسائل كبار أهل الكوفة ورفض البيعة كانت العلامة الأولى لهذه الحركة الثورية الإصلاحية، فأرسل الإمام مسلم لأهل الكوفة للتثبت من دعوتهم إياه بالمبايعة وأخذ العهود بالنصرة وخرج هو بأبي وأمي من المدينة إلى مكة لوضع الحجة أمام الملاء وطلب النصرة منهم ومن ثم خرج من مكة إلى الكوفة إلا أن خيانة أهل الكوفة والأمة قطع الطريق عليه في إتمام المسير بعد أن تواجه مع جيش يزيد بقيادة الحر الرياحي فما كان من الأمر إلا قبوله بالنزول في كربلاء لتحدث الفاجعة الكبرى التي ظل صداها إلى هذا اليوم وإلى أن تقوم الساعة.
هذا التصور منقوص لو أخذنا به لأنه يظهر الثورة أنها خرجت أثر لحظة انفعال بالغبن من الخيانة بإظهار مبايعة يزيد وأن كتب أهل الكوفة شجعته على النهوض والخروج، والأمر ليس كذلك.
إن الذي يقرأ الروايات الواردة من كلا الطريقين السنة والشيعة يدرك أن ثورة الإمام الحسين لم تكن وليد لحظة انفعال أو لحظة تشجيع من أهل الكوفة.
فالروايات تؤكد أن الأنبياء قد بكوا الحسين عليه السلام من أبينا آدم عليه السلام حتى نبينا نبي الرحمة عليه وعلى آله صلوات الله وسلامه أجمعين. فمما رود أن آدم عليه السلام عندما توسل بالأشباح الخمس وذكر الحسين سالت دموعه وانخشع فقال عليه السلام:" يا أخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟ قال جبرئيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عنده المصائب، فقال: يا أخي وما هي؟ قال: يقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصر ولا معين[1]"
ومصاب الحسين عليه السلام كان أوجع في قلب نبينا إبراهيم عليه السلام من الفجيعة بقتل ولده بيده فعن الرضا عليه السلام إن الله عز وجل أوحى إليه: "يا إبراهيم من أحب خلقي إليك فقال: يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إلي من حبيبك محمد(ص) فأوحى الله إليه قال: أفهو أحب إليك من نفسك؟ قال: نعم أحب إلي من نفسي قال تعالى: فولده أحب إليك أم ولدك؟ قال: بل ولده قال فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك في طاعتي؟ قال: يا رب ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي[2]"
وأما الروايات التي دلت على بكاء النبي ووصيه وبنته وأخيه عليهم الصلاة والسلام والتنبؤ بمقتله وفاجعته عليه السلام فهي كثيرة في كتب الفريقين ولمن أراد المزيد من الاطلاع على روايات الفريقين في ذلك فليقم بمراجعة كتاب الشيخ الأميني سيرتنا وسنتنا..
إذا هذا النمط من الروايات يدل على أن ثورة الإمام الحسين عليه السلام ليست وليدة لحظة خيانة أو انفعال جماهير يشتد ويخبو بحسب الظروف بل ثورته ثورة بتقدير الغيب حالها حال إرسال الرسل في مواقيتها لهداية البشر بل أن ثورته الغيبية كانت مددا استلهاميا لجميع الأنبياء في حركتهم الإرشادية لأنها ثورة قائمة كما ورد على لسان الحسين عليه السلام "وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين[3]"
فالثورة الإصلاحية قائمة في الأرض ما دام الفساد قائما فيها، فالملائكة قد علموا بفساد أهل الأرض وقد نبأ بعلمهم قول الله عز وجل ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ[4]﴾ فحركة الفساد في الأرض يقابلها حركة الإصلاح وبضميمة الروايات نعرف أن أهم حركة إصلاح قد أعدها الله على الأرض هي حركة الإمام الحسين عليه السلام
نعم لهذه الحركة انفعال تدريجي بتواجد الإنسان على الأرض يبدأ من أول فساد قام به قابيل عند قتل أخيه هابيل فسلب حق أخيه وزهق روحه وتدحرجت كرة الفساد في الإنسانية بسلب الحقوق واغتصاب الثروات وقتل النفوس وكان في كل ذلك يقوم الهداة المهديين بقطع الطريق على مادة الفساد فتتوالى الرسل والأنبياء والأوصياء في حركة غير منقطعة إلى أن جاء دور المصطفى صلى الله عليه وآله كخاتمة الرسل بأكمل الرسائل التي سبقته وأعظمها على الأرض وبقاء هذه الرسالة قائما على وجه الأرض يبتني على التمسك بقوله صلى الله عليه وآله "إني تارك فيكم الثقلين اما ان تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض[5]" ولا إشكال أن الفساد الذي يريد أن يقطع حبل هذه الرسالة الممتد من السماء إلى الأرض هو أكبر فساد على الأرض على نحو الإطلاق فيكون الإصلاح المقابل له الذي يبقي هذا الحبل قائما غير منقطع هو أكبر إصلاح على وجه الأرض.
وعليه سنجد كل حركة سبقت الحركة الفعلية على واقع الساحة هي حركة ممهدة لهذه الثورة المباركة العظيمة حتى صار الأمر إلى الإمام الحسين عليه السلام بعد أخيه الإمام الحسن عليه السلام فكان في زمانه أن معاوية يقتل الناس على الظنة بحب علي عليه السلام فكان زمانه زمانا عصيبا "فلما كان قبل موت معاوية بسنة حج الحسين بن علي صلوات الله عليه وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر فجمع الحسين عليه السلام بني هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم ومن حج منهم ومن الأنصار ممن يعرفه الحسين وأهل بيته ثم أرسل رسلا لا تدعوا أحدا ممن حج العام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله المعروفين بالصلاح والنسك إلا أجمعوهم لي فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادقه عامتهم من التابعين ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فقام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد فإن هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم وإني أريد أن أسألكم عن شيء فإن صدقت فصدقوني وإن كذبت فكذبوني وأسألكم بحق الله عليكم وحق رسوله صلى الله عليه وآله وقرابتي. من نبيكم عليه وآله السلام لما سترتم مقامي هذا ووصفتم مقالتي ودعوتم أجمعين في أمصاركم من قبائلكم من آمنتم من الناس.
وفي رواية أخرى بعد قوله: فكذبوني: اسمعوا مقالتي واكتبوا قولي ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم فمن آمنتم من الناس ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا، فإني أتخوف أن يدرس هذا الامر ويذهب الحق ويغلب (والله متم نوره ولو كره الكافرون).
وما ترك شيئا مما أنزل الله فيهم من القرآن إلا تلاه وفسره ولا شيئا مما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله في أبيه وأخيه وأمه وفي نفسه وأهل بيته إلا رواه وكل ذلك يقول أصحابه: اللهم نعم وقد سمعناه وشهدناه ويقول: التابع اللهم قد حدثني به من أصدقه وأتمنه من الصحابة فقال: أنشدكم الله إلا حدثتم به من تثقون به وبدينه[6]"
من خلال هذه الرواية يظهر أن حركة الإصلاح كانت مبدئية تقوم على أساس أنهم أصحاب الحق وأصحاب حبل الله المتين المتصل بين السماء والأرض أنه آن الأوان أن يطلع الناس على حقيقة الحسين عليه السلام فهو وريث جده المصطفى وأبيه المرتضى صلى الله عليه وآلهما ولا بد من إرجاع نهضة الأمة ووعيها وبث روح الهداية والصلاح، وبعد هذا فكل ما تتالت فيه من أحداث كانت تصب في المنحى الإصلاحي الإلهي المعد من قبل السماء.
فسلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك عليكم مني جميعا سلام الله وتحياته ما بقيت وبقي الليل والنهار.
والحمد لله رب العالمين
مالك محمد على درويش
20 / 8 / 2020 م
في استقبال محرم 1442 هـ
.........................................
[1] بحار الأنوار ج44 ص245 عن صاحب الدر الثمين
[2] الخصال - الشيخ الصدوق - الصفحة 59
[3] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 44 - الصفحة 329
[4] البقرة-30
[5] بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار - الصفحة 433
[6] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 33 - الصفحة 182