بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين، محمَّدٍ وآلِهِ الطاهرين
مِنَ الجهات المهمَّة في قراءة الكتاب القديمة الوقوف على طِبَاع وثقافات وأحوال الناس في الحقبة التي أُلِّف فيها الكتاب، وكذا قراءة امتداداتها التاريخية، فإنَّ في توثيق ظاهرة ما في حقبة زمنية معنية يحمل دلالة على امتدادا تاريخي لها، ما لم يقم دليل على كونها من مبتدعات نفس الحقبة التي أُلِّف فيها الكتاب.
من الأمثلة المهمَّة خُطَبُ الجُمُعَة للعالِم العَيلم والفقيه الأمجد الشيخ عبد الله السماهيجي (نوَّر اللهُ مرقده)، قد حقَّقها مُؤخَّرًا سماحة الشيخ محمَّد بن عيسى آل مكباس (دامت توفيقاته)؛ فقد كانت في أرفع مراتب المتانة العلمية لغةً وفقهًا واستدلالًا.. وحجَّةً، ما يُنبئ عن مستوى الوعي عند عامَّة المؤمنين؛ فهي خطبة جُمُعَة، وحضَّارها من عامَّة المؤمنين، خصوصًا في البحرين وقد عُرِفَ عن أهلها عدم التهاون في شرع الله واحكامه.
في كتاب (روايةُ رؤيي الشيخ إبراهيم البصري البحراني (مع دراسة لها ونبذة عن تاريخ النياحة الحسينية البحرانية) الكثير من الفوائد وما يفتح للباحث في التاريخ الثقافي والفكري لأهل هذه الأرض الطيبة آفاقًا ويعطيه مفاتيح قد لا يجدها في غيره من الكتب. هو كتاب يستحقُّ الاهتمام فعلًا.
السيد محمَّد ابن السيد علي العلوي
4 محرَّم 1442 للهجرة
...............................................................
اسم الكتاب: روايةُ رؤيي الشيخ إبراهيم البصري البحراني (مع دراسة لها ونبذة عن تاريخ النياحة الحسينية البحرانية)
المؤلِّف: الشيخ إبراهيم البصري البحراني
دراسةُ وتحقيقُ: أبي عدنان الشيخ عبد الزهراء العويناتي
تاريخ الإصدار: 1440 للهجرة/ 2019 للميلاد
عدد الصفحات: 128
الطبعة: الأولى
الناشر: مكتبة جلال العالي الخاصَّة – مملكة البحرين
……………………………….
الكتاب عبارة عن رؤيين وجدهما المُحقِّق الشيخ عبد الزهراء العويناتي مكتوبتين بخطِّ النسَّاخ الجدحفصي “عليِّ بن العلَّامة الأوحد الشيخ أحمد بن حرز، المعروف في وقته بـ”علي ابن الشيخ” المتوفَّى سنة (1405 هـ/ 1985 م) وكان نسَّاخًا وقارئًا للقرآن والحديث، وله مكتبة في منزله بجد حفص سمَّاها “مكتبة المعلَّا”، وفيها يبيع ما يستنسخه من مخطوطات، وهي في معظمها الساحق كتب نياحةِ ومجاميع الشعر النياحيِّ”، وهما للشيخ إبراهيم البصري البحراني.
الداعي لتحقيق الرؤيين:
موضوع الرؤيين واحد، وهو إقامة مجلس النياحة على مصيبة الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، مع اختلاف في ظروف إقامة كلِّ مجلس وما تداخلت فيه من عناوين خاصَّة، هذا وقد وقعتا في شهر صفر لسنة 1262 للهجرة، أي قبل 179 سنة، وصاحبهما واحدٌ؛ اسمه: الشيخ إبراهيم البصري البحراني، كما وأنَّ المكان الذي أقيم فيهما مجلسا النياحة واحد؛ وهو بيت السيد محمَّد بن السيد ماجد.
صرَّحَ المُحقِّقُ بمجهولية الأشخاص الذين يمثلون أركان الرؤيين، فلا الشيخ إبراهيم معروف، ولا السيد محمَّد ولا أخوه السيد علي، إلَّا أنَّ هذا لا يُؤثِّرُ في أهمية العمل على إظهار الرؤيين محقَّقتين تحقيقًا علميًا مع دراسةٍ موضوعية لما جاء فيهما.
قال: “غير أنَّ صدقهما أو كذبهما عندنا سواء، فإنَّ صدقهما أو كذبهما لا يهمنا وليس من شأننا الانشغال به؛ ذاك لأنَّ ما يهمنا هو أن تكونا معبرتين عن واقع النياحة المعاش في زمن حدوث الرؤيين”.
أقول: إنَّ ما جاء في الرؤيين يحكي واقعًا يوقفنا على أمور، من أهمِّها:
- تاريخية وأصالة مجالس النياحة الحسينية في البحرين.
- رجوع الأصول المأتمية عند المؤمنين في البحرين إلى ثوابت عقائدية.
- اعتزاز أهل البحرين بقوة ورسوخ ولائهم لأهل البيت (عليهم السلام).
- اهتمام البحارنة بتأسيس المآتم لخصوص النياحة والتعزية.
لمحة عن الرؤيا الأولى:
كان الناس في يوم الحشر، وقد وصل المؤمنون إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الذي أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) بأن يسقيهم من الحوض، ثُمَّ قُدِّم الشعراء والمناشيد وأصحاب المآتم والمستمعين البحارنة لإكسائهم بالحلل وإدخالهم الجنَّة. وفجأة جاء الأمر من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بالمضي إلى بيت السيد محمَّد بن السيد ماجد البحراني لإقامة العزاء فيه. وتدور أحداث النياحة والعزاء بتفصيل مهم.
لمحة عن الرؤيا الثانية:
“يذكرُ البصريُّ كأنَّهم في بيت السيد محمَّد بن السيد ماجد” وكان الظرف وفاة الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام)، وقد نزلتِ السيدةُ الزهراء (عليها السلام) “إلى المأتم مع بناتها ورأس ابنها الحسين (عليه السلام) في حجرها، وقميصه عندها”، وذكر حالة الحث على المشاركة في العزاء والنياحة.
……………………………….
وردت في الرؤيين مسائل مهمَّة، مثل الإطعام ومجالس النياحة للنساء، وطريقة الجلوس وتعاقب القرَّاء والمناشيد على استلام المجلس، كما وتميزت بما يدلُّ على عقيدة البحارنة في أنفسهم كشيعة موالين لأهل بيت العِصمة (عليه السلام)؛ فقد جاء في أولهما: “فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): اعزلوا أهل البحرين، واكسوهم الحُلل، وأدخلوهم الجنَّة قبل غيرهم. فقالتِ الناسُ: يا رسول الله، لِمَ فُضِّلوا أهل البحرين دون غيرهم؟ فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): إنَّ هؤلاء من شيعتنا المخلصين. فقالوا: بأيِّ شيءٍ يا رسول الله تعرفهم؟ قال: بسيماهم في وجوههم من أثر السجود”.
كما ويقف القارئ من خلال الرؤيين على عقيدة البحارنة في مجالس النياحة على مصائب أهل البيت (عليهم السلام) ومكانها في حسابات رضى الله سبحانه وتعالى.
تمكَّنَ المُحقِّقُ سماحة الشيخ عبد الزهراء العويناتي (حفظه الله) إلى حدٍّ جيِّد من تقديم دراسة وتحليلات مهمَّة بتحقيقه لمخطوطة الرؤيين، وهذا ما يقف عليه نظرُ الإنصاف عند قراءة الكتاب بموضوعية ونفس خالية من المصادرات والمسبقات.
أجد كتابَ (رواية رؤيي الشيخ إبراهيم البصري البحراني)، مناسبًا، بل ربَّما مهمًّا لكلِّ مهتم بتاريخ البحارنة، خصوصًا من جهات أصولهم وجذورهم الثقافية والفكرية، وقد لا يكون كذلك لغير المهتم.
أمَّا بالنسبة لي، فقد وجدتُ الكتاب في غاية الأهمية، وأنوي تكرار قراءته تدبُّرًا ودراسةً لأكثر من مرَّة.
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على محمَّد وآله الطاهرين.
السيد محمَّد ابن السيد علي العلوي
11 من صفر 1441 للهجرة
البحرين المحروسة