تفضَّل سماحة الشيخ حسن الشاخوري (دامت توفيقاته) بتعليق على مقالة (حكم الختمة الجماعية من حيث الإجزاء في مثل موارد النذور)، وجاء تعليق سماحته بعد تعقيبي على تعليقٍ سابقٍ على نفس المقالة لسماحة الشيخ أحمد الماحوزي (دامت توافيقاته).
لا يخفى على أصحاب السماحة والفضل ما للتحرير من أهمية بالغة في منهجة النظر والبحث، سواء كان التحرير لمحالِّ الإشكال أو لجهات الاختلاف أو لغير ذلك ممَّا يحتاج لتحرير موضوعي في مثل مقامات البحث والنظر.
ظهر لي من مناقشات بعض الأفاضل ارتكازهم في النظر على:
- إطلاق (الختم) دون وجود دليل يُفاد منه التقييد بما يتحقَّق به، لا من جهة عدد الفاعل، ولا من جهة المحلِّ شروعًا وانتهاءً.
- عدم المُحدِّد العُرفِي بما يمكن الالتزام به في تحقُّق الختمة بالواحد أو بأكثر من واحد.
- إمكان الحمل على تعدُّد المطلوب.
أقول:
أمَّا (الحملُ على تعدُّد المطلوب) فأقتبِسُ ممَّا عقَّبتُ به على سماحة الفاضل الماحوزي (دامت توفيقاته):
"تطبيق الحمل على تعدُّد المطلوب، وهو ما لا يراه النظر القاصر متصورًا في المقام، وإن تُصوِّر فالظاهر عدم صحة الحمل عليه.
أمَّا عدم تصوره؛ فلكون مورد الحمل على تعدُّد المطلوب ما كان فيه تعدُّد للغرض، كالذي لا يُؤدِّي الدين في موعده، والأداء فيه غرضٌ أوَّل، ولو كان هو غرض المولى فقط لما وجب عليه الأداء بعد الوقت، ولكن كما للأداء في الوقت غرض للمولى فمع عدم الأداء يتعلَّق غرضُه سبحانه وتعالى بوقت آخر للأداء، وكذا من فاتته الصلاة في الوقت، وأيضًا لو افترضنا غرضًا واحدًا لأداء الصلاة في أوَّل وقتها لقلنا بوجوب الفور.. وهكذا.
أمَّا ما نحن فيه فعلى فرض ما يُوجِّه إليه سماحة الفاضل الماحوزي (دامت إفاضاته) تكون كلُّ كلمة أو كلُّ آية أو كلُّ سورة مطلوبة لغرض خاص بها، فيكون الأمر بالختم، في هذا الفرض، منحلًا في الكلمات أو الآيات أو السور، والأقرب أن يكون القصد هو العموم الاستغراقي في قبال المجموعي.
نقول: إنَّ قراءة كلمات الكتاب العزيز والآيات والسور، في المقام، إنَّما هو لتحقيق الطبيعة، لا أن تكون قراءة الكلمة امتثالًا والأخرى امتثالًا آخر، بل لا يكون ممتثلًا إلَّا بتحقيق الطبيعة".
وأضيف:
إنَّ الفردَ المطلوبَ في موارد تعدُّد المطلوب فردٌ كاملٌ هو المطلوب عينًا، وبامتثاله يتحقَّقُ المطلوب، كما في فرد الصلاة في وقتها، والفرد الآخر خارج وقتها.
في التطبيق على مثل: (أكرم بني هاشم) -كما مثَّل سماحة الشيخ الماحوزي-، فلا معنى لأن يكون موضوع الإكرام الهيئة المجموعية، وإنَّما تُؤخذ لوجود الفرد (ابن هاشم) الذي كلَّ ما تكثَّر بقي الأمر بالإكرام. أمَّا الختم فليس هو (اختم) كلمات القرآن الكريم، فتكون كلُّ كلمة كابن هاشم الفرد في المثال المزبور، وليس هو (اختم) سوره، فتكون كلُّ سورة كابن هاشم الفرد في المثال المزبور.
وإن قيل: لِمَ لا يكون كذلك؟
أجبتُ بعدم الخِلاف في كون المتبادر هو قراءة الكتاب العزيز من أوَّله إلى آخره شروعًا من بسملة الفاتحة وانتهاء بسين الناس. وما دون ذلك فالكلام فيه.
هذا مِن مبادئ المسألة التي يبتني عليها الكلام في تحقُّق أو عدم تحقُّق الختمة بأكثر من فاعِل واحد.
تنبيه: لا نقول بأنَّ (الختم) شروعٌ من الأوَّل إلى الأخير التزامًا بقول اللغوي، بل لكونه المفهوم في كلِّ ما يتكون مُركَّبه من أجزاء معتبرة في ترتيب تواليها، وليس بخاف إنكار العُرف وإعابته على من يبدأ بالمتأخر مُؤَخِّرًا المتقدِّم في الموارد التي يكون في التقديم والتأخير معتبرًا فعلًا.
هذا تامٌّ وقد استغنى عن البيان من المعصوم (عليه السلام)، ولا يكون (الإطلاق) شاملًا لمكان البدء.
أمَّا الرواية الشريفة التي ساقها سماحة الشيخ الشاخوري (دامت توفيقاته) فهي مُؤيِّدَةٌ لما نحن فيه؛ إذ أنَّ قوله (صلَّى الله عليه وآله): "خَتَمَ القُرآن إلى حيثُ تعلم" ليس كما لو قال: "خَتَمَ مِنه ما يعلم"؛ إذ أنَّ (إلى) ظاهرة في الشروع من مَحَلٍّ مُعْتَبَرِ الابتداء وفراغٍ عند مَحَلٍّ مُعْتَبَرِ الانتهاء. أمَّا استشهاد سماحة الشيخ (حرسه في الله تعالى) بالرواية على تحقُّق الختم بقراءة جزء من الكتاب العزيز؛ إذ قال: "وهذه رواية صريحة في كون الختمة لا يلزم أن يقرأ القران كله بل ولو بجزء منه" فمدفوعٌ بكون الختمة ختمةً بالنسبة لنفس هذا الفاعل الذي يقرأ من القرآن ما يعلم؛ فهو فاقد لما لا يعلم. والاستشهاد ليس في محلِّه.
مسألة تعدُّد الفاعل:
تعرَّضنا في التعقيب على تعليق الفاضل الماحوزي (سلَّمه الله تعالى في الدارين) إلى أمرين:
- الصدور عن الواحد.
- دوران التأثير بين نية الواحد وبين الهيئة المُركَّبة من الفاعلين.
وبهما لا يصح -عند النظر القاصر- القول بتحقُّق الختمة بالفعل الجماعي للقراءة.
زبدة الكلام:
- لا خِلاف في تحقُّق الختمة بقراءة الكتاب العزيز من أوَّله إلى آخره من قارئ واحد.
- ما دون ذلك، فإمَّا أن يكون مشكوكًا، أو أن يُرى مشمولًا في الإطلاق.
وعليه:
- إن كان مشكوكًا، فالمجرى الاحتياط.
- إن رُؤيَ مشمولًا فلا كلام.
- كما ولا كلام في الفرد الثالث؛ وهو القطع بعدم كونه مشمولًا.
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمَّد وآله الطيبين الطاهرين.