بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على محمد وآله الطاهرين
مقدمة: تطرق بعض الاخوة الفضلاء لمسألة ختم قراءة القران الكريم جماعة لا فرادى، كما هو المعهود وفرعوا عليها مسألة إجزائها عن المأمور به في النذر لو نذر أن يقرأ ختمة، وكان بحثا مفيدا خصوصا لمحل الابتلاء به، واحببت المشاركة ولو باليسير مع قلة البضاعة، للوصول الى متانة الصناعة، ببيان أمور ربما لا تخفى على الكثير من اخوتي الأعزاء ولكنها مساعدة على البحث وليست هي فتاوى حيث يرجع للمراجع الكرام وجعلت ذلك في النقاط التالية:
في معنى كلمة ختمة: كما نقول ختم القران ختمة واحدة، وهو مصدر فعل ثلاثي يدل على المرة، والمصدر من الفعل الثلاثي ختم: ختما كضرب ضربا.
المعنى لغة: قال الراغب الاصفهاني في المفردات:
الختم والطبع: يقال على وجهين: مصدر ختمت وطبعت، الأول: وهو تأثير الشيء، كنقش الخاتم والطابع. والثاني: هو الأثر الحاصل عن النقش.
قصده من الأول عملية النقش والطبع على الورقة بالخاتم، ومن الثاني هو الأثر الذي يتركه الخاتم بلغة هذا العصر هو توقيع المؤسسة أو الفرد حتى تكون رسمية كتوقيع الوزارة أو البنك الرسمي أو الفرد سواء باليد وعادة تستخدم الإبهام ثم مع تطور التعليم صار بالتوقيع أو الطبع بالختم المعروف.
ومعنى ختم القران أي بلغ آخره.
يقول الراغب: ويتجوز بذلك تارة في الاستيثاق من الشيء والمنع منه اعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والابواب نحو "ختم الله على قلوبهم" و"ختم على سمعه وقلبه" ،وتارة يعتبر منه بلوغ الآخر ومنه قيل ختمت القرأن أي انتهيت إلى آخره: فقوله "ختم الله على قلوبهم" وقوله تعالى "قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم" إشارة إلى ما أجرى الله به العادة أن الانسان اذا تناهى في اعتقاد باطل أو ارتكاب محظور ولا يكون منه تلفت بوجه إلى الحق يورثه ذلك هيئة تمرنه على استحسان المعاصي وكأنما يختم بذلك على قلبه. -انتهى موضع الحاجة-.
فالختم بمعنى الانتهاء: هو مفهوم كلي يصدق على الوصول للنهاية بلا قيد الترتيب بين الأجزاء والسور، خصوصا مع وجود الخلاف بينهم على طريقة ترتيب السور والآيات، ومن المفيد هنا أن نذكر شيئا عن ترتيب سور القران وآياته، ومتى تم تقسيمه إلى أجزاء، ويصدق بقراءة الفرد كما يصدق بقراءة الجماعة للقران الكريم.
وقد ثبت في محله أن قول اللغوي ليس بحجة إلا أن يورث العلم حيث لا يفيد الظن، وهنا لا دلالة على قول اللغوي على لزوم الترتيب بين الأجزاء القرآنية من الفاتحة إلى الناس، لتصدق الختمة، وترقب في البحث التالي في كون أجزاء القران موضوعة لكي يسهل قراءة القرآن على القاري كما سوف يتبين، وليست توقيفية من النبي (ص) أو من الله سبحانه وتعالى، وهي لا ربط اشتراط قراءة بعضها ببعض، نعم هناك سياق وموضوع واحد يجمع آيات معينة وجعلت في مكان واحد من القران للمناسبة، وبإشارة من النبي (ص) كما سوف يأتي.
ترتيب القرآن وتقسيمه إلى أجزاء:
أما من ناحية تقسيم القرآن إلى ثلاثين جزء فلا يوجد ما يدل على ذلك في زمن النبي (ص)، ولا توجد رواية بذلك بحسب قراءتي وقيل أن التقسيم حصل في زمن الحجاج وقيل في زمن المأمون العباسي، وقالوا أحدث مع المصحف العثماني المطبوع لتسهيل الحفظ والقراءة.
أما الترتيب فهناك اختلاف متباين بين المسلمين منهم من ادعى القطع والتواتر بأن النبي (ص) هو الذي رتب القرآن وسوره وآياته بهذه الكيفية، ومنهم من ضعف ذلك كالسيد الطباطبائي أعلى الله مقامه في الميزان، حيث أثبت ضعف مستند المدعين، ولكن القرآن بما هو اليوم هو النازل من عند الله حيث ثبت بعلو دلالته ومضامينه العالية، ولا نحتاج الى السند لإثبات صدوره، والروايات المقترنة بقرائن تفيد العلم بصدوره من عند الله سبحانه وتعالى موجودة في المقام، خصوصا أن النبي ثبت عنه أن أمر بإثبات بعض الآيات في مواضع من السور، وقرأ سور كاملة في صلاته.
والأقرب أن القرآن رتب بحسب نزوله، وهناك روايات ذكرت بأن الإمام علي عليه السلام هو من قام بترتيبه حسب النزول.
بعض الأحكام:
لو أجر شخصا لقراءة الختمة هل يجب عليه قراءة القران من أول الفاتحة الى الناس؟
الجواب: مرة يشترط عليه ذلك، لا اشكال بوجوب الوفاء به والا تبطل الإجارة، من حيث تخلف الشرط.
أو يكون للمؤجر الخيار.
وأحيانا يجعل له خيار من أي مكان ابتدأ وبأي كيفية قرأ فهذا لا إشكال فيه.
وتارة أخرى: لا هذا ولا ذاك، فهل هنا عرف يرجع اليه، فيكون هو المرجع للخلاف، كما لو باعه يدينار يرجع الى العملة السائدة في البلد، وهل هو حجة في المقام، فإن كان فهو المرجع وإلا فلا.
وأما الختمة الجماعية: فتصدق أنها انتهاء من قراءة القران، وكما يختم الفرد القرآن يختمه الجماعة، ويهدون ثوابه لمن شاءوا.
أما النذر: فهو تابع لقصد الناذر، إن كان نذر بقراءته بقيد المباشرة أو عدمها بأن يؤجر شخصا للقراءة، وبالترتيب، أو عدمه، فالمرجع فيه كما نوى واشترط، ولو أطلق فليس ببعيد أن يكون على نحو تعدد المطلوب، ولا توجد هنا سيرة أو عرف معين لكي يعين، غير ما جرت عليه عادة الناس في ختم القران من الفاتحة الى الناس، في زماننا هذا، وهناك من الروايات ما يساعد على المطلوب وإليكم بعضها كما في الكافي للشيخ الكليني رضوان الله تعالى عليه:
الروايات الشريفة: منها:
في الكافي ـ باب ثواب قراءة القران: عن منصور عن ابي عبد الله ـ ع ـ قال سمعت أبي ـ ع ـ يقول: قال رسول الله ـ ص ـ : "ختم القرآن إلى حيث تعلم"
وهذه رواية صريحة في كون الختمة لا يلزم أن يقرأ القران كله بل ولو بجزء منه، وراويها منصور بن يونس حسب وهو ثقة، والسند صحيح، فهي معتبرة.
الرواية السادسة من باب ثواب قراءة القران: أبو علي الاشعري عن محمد بن عبد الجبار ومحمد بن يحى عن أحمد بن محمد جميعا عن علي بن حديد عن منصور عن محمد بن بشير عن علي بن الحسين عليه السلام قال ـ وقد روي هذا الحديث عن ابي عبد الله ـ عـ ـ قا لمن استمع حرفا من كتاب الله عز وجل من غير قراءة كتب الله له حسنة ومحا عنه سية ورفع له درجة .......... (الي أن قال) ومن ختمه كانت له دعوة مجابة مؤخرة أو معجلة قال: قلت: جعلت فداك ختمه كله؟ قال: ختمه كله.
تعليق على الرواية: سندا صحيحة بحسب الظاهر، ولها دلالة ما على كون الختمة لا يشترط للقران كله، بل بحسب المستطاع وذلك في سؤال الرواي للامام بعد ذكر الامام ـ ع ـ ما لمن ختم القران قلت: ختمه كله؟ تدل بمنطوقها على صدق الختمة بقراءة شيء من القران بحسب ما تعلمه.
ومن الله نستمد العون والتوفيق، والسلام.
الكاتب: حسن الشاخوري
كرزكان ـ الثلاثاء ـ 11 ـ 8 ــ 2020 م