بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمَّدٍ وآله الطيبين الطاهرين.
تفضَّل سماحةُ الفاضل الشيخ أحمد الماحوزي (دام عزُّه) بالتعليق على ما كتبناه تحت عنوان: حكم (الختمة الجماعية) من حيث الإجزاء في مثل موارد النذور. فلسماحته جزيل الشكر وبالغ التقدير.
رابط التعليق:
https://www.ketabat.org/discussions/6
للنظر القاصر على تعقيب على ما تفضَّل به سماحة الأجل الماحوزي (سلَّمه الله تعالى وأبقاه في خير عافية).
فنقول:
أمَّا تعدُّد المطلوب فقد يصحُّ -على تحفظ منَّا- في ما لو كان النذر بقراءة كلِّ الكتاب العزيز، أو قراءة سِوَرِهِ. أمَّا الختم فهو شروع ونهاية، على أن يكون تحقُّق النهاية بتحقُّق ما يُوصِل إليها بالتوالي من الشروع؛ أي بكيفية خاصَّة. فبين (القراءة وما في حكمها) وبين (الختم) عموم وخصوص مطلق؛ إذ أنَّ كلَّ ختم قراءة، ولا عكس. ولو قرأ واحدٌ القرآن كاملًا دون ترتيب بحسب توالي السور صحَّ الختم فلسفيًا من جهة صدور الختم (واحِد) عن واحد. أمَّا عرفًا فقد لا يكون مقبولًا؛ إذ المعروف هو الابتداء من بسملة الفاتحة تواليًا إلى سين الناس. ولكن في حال قبول العُرف لها فقد تكون مُجزئة شرعًا.
تنبيهان:
1- العُرف وجود تلقائي طبيعته التباني، لا أن يُقرِّر الناس قبول هذا أو رفض ذاك فيُصيِّر قرارُهم الأمرَ عرفًا.
2- يقال لمن يسأل عن أمر يُعرف من العُرف: (العُرفُ بباك)، ولا يُقصد بذلك ما يكون عليه العامَّة ابتداءً. بل العُرف المقبول أمَّا باستناده لسنِّ أو تسالم أهل العقل والحكمة، أوبإمضائهم.
إنَّ ما نراه في المجتمع هو التعاون على قراءة الكتاب العزيز كاملًا بما أسموه (ختمات جماعية) للثواب وإهداء الثواب للموتى، وكذا لقضاء الحوائج وما نحو ذلك. أمَّا في النذور وما في حكمها فإمَّا أن يختم صاحب النذر الكتاب من بسملة الفاتحة إلى سين الناس تواليًا، شروعًا ونهايةً، أو أن يستأجر من يختمه بهذه الكيفية المعروفة والمتفق عليها وعلى تحقُّق الختمة بها.
بالتالي، فإنَّ الخِلافَ مع سماحة الفاضل الماحوزي (أصلح الله تعالى له في الدارين الأحوال) في أمرين:
الأوَّل: الالتزام بمعنى الختم، وفي كونه طبيعة واحدة هي المطلوبة، فلا يصح حملها على تعدُّد المطلوب؛ فإذا قِيل: ختَمَ القرآن الكريم، فُهِمَ منه انتقاله إلى البقرة من الفاتحة، وإلى آل عمران من البقرة، وهكذا إلى الناس من الفَلق، ولا يُقال عند بلوغ الإسراء والكهف بأنه قد ختم نصف ختمة، إلَّا أن تكون هي متعلَّق النذر، فيكون هذا النصف طبيعة واحدة. وهذا هو الموافق للمعنى اللغوي كما مرَّ في أصل المقالة.
لذا، فإنَّ اثنين لو قرأ كلٌّ منهما نصفًا دون سابق اتفاق فلا يكونا قد حقَّقا ختمةً في الخارج، وبالتالي ليس المُؤثِّر هو الهيئة المركَّبة. وعلى الفرض الذي يذهب إليه سماحة العلَّامة الماحوزي (حرسه الله عالمًا عاملًا) تكون النيَّةُ هي المُؤثِّر في تحقُّق الختمة.
الثاني: تطبيق الحمل على تعدُّد المطلوب، وهو ما لا يراه النظر القاصر متصورًا في المقام، وإن تُصوِّر فالظاهر عدم صحة الحمل عليه.
أمَّا عدم تصوره؛ فلكون مورد الحمل على تعدُّد المطلوب ما كان فيه تعدُّد للغرض، كالذي لا يُؤدِّي الدَينَ في موعده، والأداء فيه غرضٌ أوَّل، ولو كان هو غرض المولى فقط لما وجب عليه الأداء بعد الوقت، ولكن كما للأداء في الوقت غرض للمولى فمع عدم الأداء يتعلَّق غرضُه سبحانه وتعالى بوقت آخر للأداء، وكذا من فاتته الصلاة في الوقت، فعلى القول بالغرض الواحد لا يُطالب بالقضاء إلَّا بخطاب جديد، وأيضًا لو افترضنا غرضًا واحدًا لأداء الصلاة في أوَّل وقتها لقلنا بوجوب الفور.. وهكذا.
أمَّا ما نحن فيه، فعلى فرض ما يُوجِّه إليه سماحة الفاضل الماحوزي (دامت إفاضاته) تكون كلُّ كلمة أو كلُّ آية أو كلُّ سورة مطلوبة لغرض خاص بها، فيكون الأمر بالختم، في هذا الفرض، منحلًا في الكلمات أو الآيات أو السور، والأقرب أن يكون القصد هو العموم الاستغراقي في قبال المجموعي.
نقول: إنَّ قراءة كلمات الكتاب العزيز والآيات والسور، في المقام، إنَّما هو لتحقيق الطبيعة، لا أن تكون قراءة الكلمة امتثالًا والأخرى امتثالًا آخر، بل لا يكون ممتثلًا إلَّا بتحقيق الطبيعة.
فيكون الكلام في الكيفية، وفيها أنَّ المتبادر من (الختم) بلا خلاف هو شروع الواحد في القراءة من بسملة الحمد وانتهائه هو تواليًا بسين الناس. أمَّا ما يُطلق عليه في العرف (الختمة الجماعية) فيُشكُّ في تحقُّق الختمة به، فالمجرى الاحتياط، لا أنَّ الشكَّ في كونه فردًا من أفراد (الختم) ليقال بأصالة العموم. بل هذا في غاية البُعد.
كما أنَّه:
1- لا شكَّ في موافقة ذلك لأصل استحالة صدور الواحد عن الواحد.
2- وعدم ذكر (الختم الجماعي) في الأخبار الشريفة لا نفهم منه الإرجاع للعرف، بل لعدم الحاجة إلى بيان حاله.
3- وكذا فإنَّ ذلك موافق إلى أصالة عدم تكلُّف البحث في حكم ما لم يُذكر حكمه في النصوص الشريفة لا خصوصًا ولا بالإرجاع إلى عمومات منصوصة.
نسأل الله تعالى الصلاح والإفادة من الأعلام كما أفدنا من سماحة الفاضل الماحوزي (أدام الله له الخير والصلاح في الدراين).
والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وآله الطاهرين.